ظهر مصطلح التنمية المستدامة كمصطلح علمى في العام الثانى والسبعين وتسعمائة وألف من القرن الماضى، إلا أن المصطلح قدم رسميا في العام الثانى والثمانين وتسعمائة وألف كمفهوم واضح، وعرفت فيه التنمية المستدامة على أنها تشمل مواءمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الدينية ومراعاة الموارد الطبيعية، حيث تقوم التنمية المستدامة على عناصر أساسية ثلاثة هي: الإقتصاد والمجتمع والبيئة، وهي عناصر مرتبطة ببعضها في وحدة نسيجية متلازمة ومتشابكة، يقوم كل منها على الآخر ويكمله، ولا مناص من ضرورة تحقيق التوافق والإنسجام بينها لإنجاح هذه التنمية.
ويأتى حديثى عن التنمية الإسلامية المستدامة تماشيا مع عقد وانطلاق فعاليات المؤتمر العالمي السابع لدار الإفتاء المصرية، الذى أنعقد تحت مظلة الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت عنوان “الفتوى وأهداف التنمية المستدامة”، والذي إستمرت فعالياته على مدار يومي السابع والثامن عشر من أكتوبر الجاري.
ومن عظمة ديننا الإسلامى الحنيف أن التنمية المستدامة تعد أكثر شمولا فيه، فنظرته الشاملة لها توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن ضوابط الدين والأخلاق، بل يتبنى الاسلام وسائل تحقيق أهدافها، إنطلاقا من تعاليم قرآننا الكريم وسنة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويؤكد على هذا، ضرورة العدل والمساواة والتعليم والسلام، وغيره، وأنه الدين الخاتم الذى جاء مناسبا لجميع الأزمنة والمجتمعات، وصدق ربنا العظيم: “ما فرطنا فى الكتاب من شئ”.
كما أنه على الرغم من حداثة مصطلح التنمية المستدامة، فإن مفهومه ليس بجديد على الإسلام والمسلمين، إذ حوى القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير من النصوص التي تمثل ركائز أساسية للتنمية المستدامة، واضعة الضوابط التي تحكم علاقة الإنسان ببيئته والأرض والكون كله، ضمانا لاسـتمرارية حياة صالحة.
وصدق فضيلة الدكتور محمد الضوينى وكيل الأزهر الشريف حين أكد أن التنمية المستدامة وإن نشأت كمصطلح اقتصادى، فإن العلوم الشرعية ليست بمعزل عنها؛ بل إنها تضرب بسهم وافر في إقرارها ورعايتها، وفي القرآن والسنة كثير من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى عمارة الأرض وإصلاحها والإحسان إلى الوجود كله.
والتنمية المستدامة مفهوم عام شامل، يتناول كل بنية المجتمع، شاملا جوانبه المادية والمعنوية، بل ليست التنمية مجرد عملية نمو اقتصادي، إنما هي عملية لها أبعاد اجتماعية وحضارية شاملة، كما أن التنمية المستدامة تتعدد أبعادها، فتشمل جوانب كثيرة هى، التنمية الروحية، والذاتية، والنفسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والادارية والتشريعية، والبيئية، والعلمية والبحثية والتكنولوجية، والبشرية.
ومع تقدم عجلة الحياة المصرية الجديدة وتبني الآليات والخطط التي من شأنها النهوض بمجتمعنا، أجدني مشدودا إلي آليات إسلامنا وشريعتنا لتنمية مستدامة شاملة، ونهضة حضارية إسلامية مصرية صميمة، تعلو بنا ولاتخفض، تغني ولاتفقر، تبني ولاتهدم، توحد ولاتفرق، إذ ديننا الإسلامي الحنيف وشريعتنا الغراء يجمعان بين النواحي الروحية والمادية، بين العلم والإيمان، بين الدنيا والآخرة، ويخطئ من يظن أن إسلامنا وديننا ينحصر ويختزل في جلباب أبيض، ولحية كثيفة، واتكال وتواكل علي الغير، والإنتظار والدعاء لله القدير بأن ينهض بمجتمعنا، وأن يسبغ علينا رغد العيش بدون عمل وجهد!
قناعتي الشخصية الجازمة، أننا في حاجة ماسة إلي تطبيق التنمية الإسلامية المستدامة، الشاملة، الحضارية، بما يتواكب مع الأخذ بالأسباب، حيث إن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، وأن تمتد أنشطة التنمية إلى الدين والدنيا والآخرة، بما يضمن التوازن والتوافق، وفق معايير وآليات ديننا التي لو طبقناها بصدق لتبوأنا صدارة الأمم، ويكفي إعتراف الغرب المتخبط بين الرأسمالية والإشتراكية والعولمة، بأن خير تناول وعلاج لأزماته الإقتصادية العالمية، هو الإقتصاد الإسلامي بما فيه من تحريم وتجريم للربا، وقس علي ذلك باقي شرائعنا التي ما إن يقترب منها ويقرأ عنها أصحاب الملل الأخري إلا ويشد ويجذب إليها جذب التائه الذي وجد ضالته، والمريض الذي عثر علي دوائه الشافي.
ما أنادي به يجب أن يغلف بإطار من الإلتزام بمبادئ الحق والعدل، التي تصون للجميع كافة حقوقهم، وليعلم الجميع أن التنمية الإسلامية المستدامة إنما تعني الانتاج وإعادة بناء حياة إجتماعية وإقتصادية شاملة لحياتنا وفق شريعة ربنا ودينه الخاتم.
شكرا وتقديرا دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برئاسة مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام وكل علمائها الأجلاء، وحللتم أهلا، ونزلتم سهلا علماؤنا الأكارم من شتى بقاع البسيطة بلادنا الحبيبة، واللهم أسأل أن يقدر لنا جميعا ولمصرنا الحبيبة الخير حيث كان، بما شئت وكيف شئت إنك علي كل شئ قدير.