حدث ذات مرة فى الرقابة
خيانة العيش والملح أمر صعب جدا، وتقشعر له الأبدان، وليس هناك ما هو أسوأ من سرقة أحلام المبدعين، تعارفنا فى مكتب يوسف شاهين، ذلك المكتب/ المدرسة، الذى تقابل فيه كل مبدعى مصر بلا موعد سابق، كنا فى عام ١٩٩٣ عندما تعرفت على الأستاذ كما هو يلقب أى يوسف شاهين عقب إجراء حوار مطول معه عن علاقته بمحسن محيي الدين وعن علاقته بالسياسة فى أفلامه، وبعد اللقاء تركت الدنيا وتفرغت للمكتب، وكنت ساعتها احاول اللحاق بالمعهد العالى للسينما ، تعرفت وقتها على شاب من المنصورة يعمل بالمكتب مساعد مخرج تحت التمرين ، وتبادلنا الأحلام والخبرات، وصرنا صديقين، ودارت الأيام وسافرت لأوروبا ودرست السيناريو فى إيطاليا وهو أخرج فيلمين ولم يحقق النجاح المطلوب، وكنا على تواصل عندما أزور مصر، وهكذا مرت السنوات، وانا حاولت مع مخرجين كثر منهم شريف عرفة وداود عبد السيد ورضوان الكاشف ومروان حامد وأمير رمسيس وبالتالى صديقي هذا الذى أتحدث عنه، وكلهم ارسلت لهم اعمال لى، وكنت اسجل أغلبها فى وزارة الثقافة بالدقى، وخلال هذه السنوات التى وصلت لثلاثة عقود الآن مارست الصحافة ومارست الكتابة الروائية وحصلت على جائزة ساويرس فرع كبار الكتاب، وسافرت بلاد عدة، ثم تعينت فى المجلس الأعلى للثقافة عقب الثورة، وبدأت استقر فى مصر تقريباً، وفى عام ٢٠١٢ طلبنى صديقي المزعوم وكانت معه معالجة مسلسل مأخوذ عن فيلم اجنبي شهير حول محاولة سرقة بنك من خلال بيت مجاور له عبر حفر نفق، فقلت له هذا تمت معالجته، فقال لا يهم المهم هناك منتج وينتظر الحلقات، وكانت المعالجة تجتاح لاضافات,، وكان معه كاتب اخر، ويبدو أنه اختفي، وكان المنتج هو الاستاذ ممدوح شاهين وكان العمل باسم النفق وكان الممثلين هم خالد النبوى وأحمد وفيق وغيرهما، وبالفعل كتبت الحلقات التى وصلت ٣٠ حلقة، ثم بدأ الخلاف بين المنتج ممدوح شاهين والمخرج صديقي المزعوم، ولم امض عقدا مع المنتخب لأن المخرج كان يسوف اللقاء بينى وبين المنتج، وفجأة زاد الخلاف حول طلبات المخرج التى فاقت المعقول وكذلك بسبب خلافات أخري تتعلق بالادوار النسائية، وقام المخرج برد العربون وتعطل النص الذى مازال قيد الادراج، والذى يرفض المخرج أن نبيعه كسيناريو، ومات الموضوع سنوات حتى عام ٢٠١٩ عندما كانت المفاجأة بالنسبة لى، هذا المخرج المزعوم كان معه اعمالى مرسلة بالايميل ويحتفظ بها، وفجأة علمت وانا خارج مصر أنه قدم باسمه سيناريو لى بعنوان مدينة الزهور والعنف للمنتجين والممثلين والرقابة بعد تغيير الاسم لصندوق الدنيا، وليس هذا فقط فقد قام بالحذف وأخذ من سيناريو ثانى لى اجزاء ووضعها فى النص الاول، أى أنه استولى على نصين وشوهمها، ولكن لأن فكرة النص الاول قائمة على مدة اليوم الواحد والمكان الواحد الذى هو وسط البلد، من خلال خمس قصص مختلفة تتلاقى جميعا فى القصة الأخيرة من خلال رابط وهو الطفل القروى الذى فقد أبيه، ولذا لم يستطع تغيير نمط وشكل الفيلم ، ولكنه بغباء بدل قصتين وهما اللتان اخذهما من نصى الثانى، وعلمت بكل هذا بعد انتهاء المخرج المزعوم من التصوير أى فى مرحلة المونتاج ، ودار حديث بيننا طلب منى أن الا اتكلم وان هناك فى فرصة أخري لانه مضى مع نفس المنتج فيلما اخر، ورفضت بالطبع، وكلمت المنتج عمرو القاضى، فقال لى لا يعرف شيئا لأن المخرج قدم النص باسمه،..حاولت وفشلت لذا قررت عمل توكيل فى ميلانو للمحامى فى مصر، وقررت تصعيد الأمر ، فبدأ المنتج فى التحدث معى، واخيرا انصفنى الله عندما علم المنتج أن الرقابة على علم بتسجيلى للنص ، ومدير الرقابة مشكورا وهو الدكتور خالد عبد الجليل، علم بالأمر عندما كلمته من إيطاليا وقرر ألا يخرج الفيلم للعرض بدون تنازل منى كمؤلف الفيلم، وهنا قام المنتج بتغيير معاملته معى، وتوسط الأصدقاء حتى يخرج الفيلم للعرض، وقام المنتج بعمل عقد معى، ولكن بعدما وافقت على خروج الفيلم وبعد كل الإثباتات أن النص هو نص أسامة حبشي وليس نص المخرج المزعوم، حصل أم الأفيش والتتر وجدت به اسم المخرج معى ككاتب سيناريو، وحصل تجاهل اعلامى لى رهيب فى كل الاخبار والتصريحات التى تخرج من نجوم الفيلم ومن شركة الإنتاج ومن المخرج وكأن السيناريو بلا أب ، على الرغم من أن النقاد والصحفيين أشادوا بالسيناريو على الرغم من أن المخرج المزعوم شوه الكثير منه..حتى عندما استضاف برنامج يحدث فى مصر أسرة العمل تم التجاهل معى، وحتى فى عرض الفيلم بمهرجان الأقصر تم التجاهل معى وهكذا.
وحصلت عدالة الله فأول اسبوع من العرض حدثت الكورونا وأغلقت دور العرض، وبات أمام الفيلم العرض التليفزيونى فقط، وتورط المنتج مع السوق وتمت رفع العديد من القضايا ضده وهرب لخارج مصر ، والوسط الفنى علم بأمر المخرج المزعوم الذى قدم نصا للرقابة وللمنتجين والممثلين ليس ملكا له، وهاهو بلا عمل من ٢٠١٩ وحتى الآن ٢٠٢٤
والخلاصة هو أننى كلما تم عرض الفيلم بالقنوات التليفزيونية اتذكر خيانة العيش والملح وأتذكر السطو على الأحلام وأتذكر أن الله لا يضيع حقا وراءه مطالب، وأتذكر أن عداله الله ناجزة وأتذكر أن الإبداع لا يموت ولا يسرق حتى ولا طال الزمن ، أتذكر واقول لنفسي مهلا وصبرا والكتابة هى العلاج لكل تلك الصدمات،والكتابة خير من صديق خائن وخير من الأحلام الميتة.. الكتابة هى الخلاص بها نحيا وبها ننجو ونحلم، وأتمنى من هذا المخرج المزعوم والمنتج أن يعرفا كيف دارت عليهما الأيام وكيف باتت رحلتهما بعدما سطا على حلم لكاتب مسكين ظل عقدين ينتظر فرصته فى السينما وعندما حانت حاولا أن بسرقتها منه ولكن الله أنصفه على الرغم من وجود اسم المخرج ظلما على تتر الفيلم والأفيش كمشارك فى السيناريو
..
أسامة حبشي
روائى وسيناريست وصحفى مصري