بقلم – خالد جعفر
الثقافة والفن هما الروح التي تحرك جسد الوطن .. والأمة التي تعجز عن ممارسة الفنون وتمتلك خيوطها تضمر ثقافتها ويكسد فيها سوق الفكر والإبداع .. الفن هو قوة تنويرية لها بريق الماس . هو طاقة هائلة وقودها الفكر والتأمل .
وعلى مسرح الجمهورية أخذتني قدماي كالعادة لمشاهدة العرض المسرحي الراقص ( أعمق مايبدو على السطح ) واحد من أعمال فرقة الرقص المسرحي الحديث وإنتاج دار الأوبرا المصرية .
( أعمق مايبدو على السطح) فكرة وإخراج الفنان المبدع مناضل عنتر هذا الفنان الذي يحفر اسمه يوما بعد يوم في عالم المسرح المصري الحديث بمجمل أعماله ، وكأنه واحد من فراعنة مصر القديمة عاد إلينا في العصر الحديث ليعيد إلينا تاريخ الفن الجميل .
تتأصل فكرة العرض في صراع التناقض : بين الحياة والموت ، والسلطة والزهد ، والخير والشر ، والحب والخطيئة .. ويحكم كل هذا التناقض فكرة أن الخوف لايمنع الموت ولكنه يمنع الحياة ، والإنسان الخامل بطبيعته والكسول دائما يخشى المجهول فهو عدو ما يجهل ، يبحث دائما عن منطقة الأمان ويفضل السباحة في طرف الشاطيء ، لايعرف خوض مغامرة الإبحار خوفا من صدمات الأمواج والغرق ، راض دائما بالمعتاد والمألوف ، ولايكتفي بهذا بل يحارب كل جديد تحت مسمى الجهاد ، ويمتطي صهوة جواده المريض ممتشقا سيفا غطاه الصدأ ولم يعد له بريق يرهب ويخيف .
إن قناعة التجديد والتغيير لايملك زمام قيادتها إلا المبدعون والفنانون ، فالفن هو الشيء الوحيد الذي يحافظ على خاصية الدهشة في هذا العالم الاعتيادي الممل .
هكذا حالة العرض المسرحي الرائع ( أعمق مايبدو على السطح ) التي أخرجتنا من عالم الملل والرتابة والسكون إلي عالم الحركة وحرية الفكر والإبداع وسباق الزمن ، وجعلتنا نسترجع عظمة الفن المصري الذي ورثناه كابرا عن كابر .
مناضل عنتر في مجمل أعماله فنان ساحر في إعداد النص ، بارع فى اختيار الأغاني المصاحبة للإيقاع الحركي الراقص ، ماهر في توظيف الإضاءة على خشبة المسرح ، شديد الذكاء في الإقناع .
جمال العرض يكمن في أنه استطاع أن يجمع كل أنواع الفنون التي تآلفت بذكاء شديد لتكمل الصورة الجمالية بكل أبعادها .. هو مرة أوبرا ومرة ساحة دروشة وتصوف ، وتارة باليه راق وتارة عراك بالأيدي بصورته العشوائية ، تسمع أنغام أوركسترا ثم ينقلك إلي شرقية موسيقى الإنشاد ، ذلك التناقض المقصود يشعرك بحيوية ذاتك وأنت تشاهد العرض ، ويبعث في نفسك روح التساؤل وفلسفة البحث عن الحقيقة .
مناضل عنتر نبتة فن مصرية في أرض الله الطاهرة .
شكرا لدار الأوبرا المصرية . شكرا للفن الجميل . شكرا لكل القائمين على هذا العرض الرائع الذي حرك فينا مصريتنا وعظمتنا وشعرنا معه بالرقي والفخر، وإن مصر ستبقى دائما هي الحالة الجميلة في هذا العالم .