أنقذوا الجمالية

بقلم –  جمال الشاعر
عندما دخل على بابا المغارة صاح مفتونا.. ذهب ياقوت مرجان .. أحمدك يارب.. ولابد أنك سوف تصيح مثله عندما تدخل الجمالية .. ثروات خرافية ونادرة ومدهشة.. شارع الصاغة والمشغولات الذهبية المبهرة ..الأرابيسك وتجلياته البديعة.. منتجات النحاس والنجف.. المنسوجات (التلل، العقادة، المفروشات والتطريز) .. منتجات الشمع .. الزيوت العطرٌية .. تحف الفخار.. خشب السرسوع – البردى – المشروبات المنعشة .. الخروب والعرقسوس والتمرهندى – الفٌيرفورجٌه ومشغولات الحديد.. السجاد والكليم – والزجاج المنفوخ الذى ينافس شغل موارنو .. منتجات الصدف.. الجلود .. منتجات الحلى والفضة .. الأحجار الكريمة.. الفيروز والعقيق والزبرجد .. كل ماسبق مناجم نادرة ولكنها مهملة للأسف الشديد .. عندما أنشأت بيت الشاعر كمؤسسة ثقافية لا تهدف إلى الربح فى شارع المعز ..رأيت فى عيون الزوار والسياح الأجانب دهشة بكل مايحيطه .. فالجمالية متحف مفتوح وساحر.. وأذكر أن فرانك ويزنر سفير أمريكا السابق ومستشار البيت الأبيض علق مندهشا وسأل لماذا لا أعيش إقامة دائمة فى هذا المكان الساحر .. والدكتور أسامة الباز والفنان محمد صبحى ود. عبد العزيز حجازى كلهم كانوا من عشاق المكان ودائمى التردد عليه.. ناهيك عن السفارات والأجانب الذين أقاموا حفلات فى شارع المعز .. وقد شاهدت الفنانة التشكيلية الفرنسية المرموقة مونيك بارونى تتجول وهى مسحورة فى المكان وتشتبك مع سيدات الجمالية فى حوارات حميمية ويلتقطن الصور معا.. أوركسترا حجرة روسى عزف على سلم المدخل أمام مجموعة السلطان قلاوون ووقف أهالى الجمالية والتجار فى صمت واحترام يستمعون ثم يصفقون .. الجمالية إذن فضاء ثقافى وحضارى فاتن لكنه الآن فى خطر شديد.. تدهورت الأمور جدا وانتشرت الفوضى والعشوائية ..واختفت ابداعات الإضاءة الإيطالية على الآثار الرائعة والأسبلة والقصور.. خسارة فادحة .ولاننسى أيضا أن الجمالية منجم اقتصادى غنى جدا بالمنتجات والحرف والتحف الفريدة .. الصين تقيم معرضا سنويا للمنتجات الثقافية التقليدية تشارك فيه دول العالم، فينعش تلك الصناعات ويحقق ملايين الدولارات..الدراسات موجودة فى مركز تحديث الصناعة وكان لى شرف المشاركة فيها .. وكان المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الأسبق يراهن عليها بعد تقديم الدعم المؤسسى والتسويق والترويج.. ولكن تغيرت الظروف وتوقف كل شيء .. كيف نضيع هذه الثروات من أيدينا؟. اقتصاد المغرب وصلت مساهمة المنتجات الثقافية فيه إلى أربعة مليارات دولار.. الدراسة المصرية طالبت بسرعة إنشاء مدرسة للمنتجات الثقافية .. والأماكن موجودة ..سواء فى وكالة بازرعة أو فى مكان مدرسة الظاهر بيبرس البندقدارى .. كيف يكون عندنا أكبر وأعظم متحف مفتوح للآثار الاسلامية فى الجمالية وكيف يكون لدينا هذا المنجم من الحرف والصنايع والخبرات المهددة بالانقراض ونحن ساكتون.. لابد أولا أن نسارع بمصالحة البشر على الحجر وإعادة النظام والاحترام لشارع المعز ومحيطه.. من خلال تدعيم الأمن ومواصلة الترميمات والإصلاحات اللازمة. ثانيا ..الاستعانة بخبراء الآثار والعمارة والتخطيط والمصممين العالميين لإعادة تنظيم وإحياء المكان.. ثالثا.. ضرورة توفر رؤية اقتصادية طموحة لاستثمار منتجات الجمالية.. رابعا وأخيرا .. أطالب بضرورة إعلان منطقة الجمالية محمية ثقافية.. ..الحزن يعتصر قلوب من يزور المنطقة حاليا جراء حالة التردى والتدهور والكساد التجارى الذى جعل الصنايعية يتركون الإبداع ويذهبون للعمل على التكاتك.. أقترح فى الختام تشكيل مجلس أمناء للجمالية يضم ممثلى الجهات الرسمية والخبراء فى كل المجالات وبعض الشخصيات العامة وأن يتولى مهمة التنسيق بينها جهاز التنسيق الحضارى .. مرة أخرى أصرخ بعلو الصوت: الجمالية محمية ثقافية.

شاهد أيضاً

“سامي أبو سالم .. صوت غزة الذي لا يخبو تحت الحصار”

  سمير السعد في عالم الصحافة، حيث الكلمات قد تكون أقوى من السلاح، يقف الصحفي …