بقلم: د. طراد الرويس
في السابق .. كانت الأسرة تعيش حياة بسيطة تسودها المحبة والتعاون والتكاتف، فيها أواصر القرابة والروابط الأسرية قوية، كان الصغير يخدم الكبير ويطيعه، ويحنو الكبير على الصغير ويرحمه.
وفي حاضرنا .. أصبحت الحياة أكثر صعوبة وتعقيداً، وأصبح الحفاظ على الأسرة عبئاً ثقيلاً يقع على كاهل الأبوين وترهقهم وظائفها، خاصة في الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فضلاً عن القلق الذي يساور الأباء والأمهات على مستقبل أبنائهم في عصر سريع التغيّر والتحّول، وفي الحقيقة، ليست التربية كما كانت في السابق، وليس عامل المال كما يضن البعض بأنه العامل الرئيسي لتربية وتنشيئة الأبناء النشئة الصحيحة، فلا نختلف عن أهمية هذا العامل، ولكننا نجد بأن العامل الرئيسي الأول لبناء الأسرة وتنشئة أبنائها والحفاظ عليها هو صلاح الأبوين.
فالأسرة هي العامل الأول والأساسي في تكوين الكيان المجتمعي والتربوي، وتسهم بشكل مباشر في تكوين شخصية الطفل وتعليمه (التقاليد، الدين، السلوك، العادات)، فمهمة الأسرة تعّد من المهام الصعبة والحساسة التي يوجهها أول معلم تربوي اجتماعي (الوالدين، الأب والأم)، فهم أعمدة كيان الأسرة، ولذلك يجب أن يكونوا على دراية كاملة عن أساليب التربية الصحيحة لتنشئة صالحة.
ففي الماضي تعرضت الأسرة العربية لمتغيـرات سلبية عديدة كان سببها عدة عوامل ومظاهر ضعف تدفع بهـا
إلـى انهيارها، وفي مجتمعنا العربي والإسلامي تعرضت لتأثير التحّولات (الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافيـة) أثناء عملية التنمية والتطوير، والتي أدت إلى ظهور عدة ظواهر سلبية ومنحرفة أثرت على فاعليـة الاسرة
في مجتمعنا العربي، كما تأثرت بعدة متغيرات أخرى ارتبطت بتلك التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وخضعت لكثير من المتغيرات الخارجيـة، كالعولمة التي تسعى إلى اختـراق نسيجها الاجتماعيـة ومنظومتها من قيّم ومبادئ وثقافة، والتي تعمل على إضعافها، بهـدف اسـتبدالها بقيم وأبنية غريبة على مجتمعاتنا وأنماط أسرتنا، وتعكـس بالأسـاس طبيعتها في بناء نوعية الحياة السائدة في مجتمع القوة العالميـة التي أصبحت مسيطرة الآن على هذا العالم، حيث تسبب ذلك في اختراق بعض جوانبها، فدفع إلى ظهور ظـواهر انحرافيه وسلبية عديدة على ساحة أسرتنا العربية وفي مجتمعنا العربي، والتي اثرت تلك الظواهر على تكوين الأسرة ووظائفها، وعلى طبيعة العلاقات بين أعـضائها، وكل ذلك سيؤثر على ولاء أعضائها وانتمائهم لمجتمعهم.
الأمر الذي يتوجب علينا الحفاظ على الأسرة حفاظا ًعلى بناء مجتمعنا العربي ..
إن أبنائنا أمانة في أعناقنا، وهم من الأمانات التي لا يجوز خيانتها، فتربيتهم وتنشئتهم مسؤولية كبيرة وهامة تقع على عاتقنا، فمسؤولياتنا تجاههم، أن نربيهم، وأن نحسن إعدادهم وتنشئتهم النشئة السليمة الصحية والنفسية والدينية، لجعلهم ينطلقون في الحياة بثقة وثبات وصلابة وإرادة ووعي أمام هذه الحياة، التي تطلبت منا كمجتمع مدني ومنظماته العمل على وضع برامج وطنية شعبية تشمل على عدة محاور تربوية وتنموية، لجعل شبابنا ينطلق نحو تنمية وطنه ونمو اقتصاده واستدامته، كمحور تنمية الاستثمار والتشغيل والإنتاج، ومحور ريادة الأعمال، ومحور الابتكار والابداع، ومحور مكافحة الفساد المالي والإداري، ومحور محاربة الإرهاب والعنصرية والفقر، ومحور العدالة الاجتماعية، … إلخ.
وما اريد قوله هو ان المشاكل الموجودة في المجتمع كانت بسبب تشتت وتفكك أسرى ينتج عن عدم التفهم والاحترام وسوء اختيار الشريك الذي يكمل الحياة مع الآخر، مما يؤدي إلى تعنف الابناء وكره وتشتت انتباههم في الحياة، ويصعب البعض إكمال حياته كبقية اصدقائهم.
فالترابط الأسري يظهر مظاهر المودة والرحمة التي تجمع بين أفراد الاسرة، وما تشمل عليه من قيّم التسامح والحب والإيثار والتوجيه، وغرس القيم الأخلاقية التي تعتبر أحد اهم المرجعيات التي تضمن للأبناء والآباء والزوجين راحتهم النفسية والصحية، ولبناء الثقة في نفس كل فرد من أفرادها يجب أن تكون أسرة مترابطة ومتكاتفة.
ومن الوظائف السامية والهامة التي تقوم بها الأسرة، كوظيفتها البيولوجية التي تعمل على إنجاب الأطفال، وتحديد النسل وتنظيمه، أما وظيفتها النفسية تعتبر من أهم الوظائف التي تقع على عاتق الأسرة، حيث تعمل على بث الراحة النفسية ، والاحساس بالأمان والاستقرار الاجتماعي داخل الأسرة، وعلى حل مشاكلهم، وتعمل كذلك على اتزان شخصياتهم، وتنمي ثقتهم بالنفس داخلهم، وتعزز من قيّمهم، وتمنحهم الحب والاحتواء، لكي يصبحوا ناضجين عاطفين، وتعمل من خلال وظيفتها الاجتماعية على تعليم الاطفال (ثقافة التعامل مع الآخرين والسلوك والمبادئ، احترام الآخرين واحترام حقوقهم الشخصية، تعلمهم تحمل المسؤولية، وعن كيفية التعامل بفاعلية داحل المجتمع، وتعلمهم كذلك العادات والتقاليد وأسس السلوك، وعن كيفية حل مشاكلهم وإدارة أمور حياتهم)، وأما وظيفتها التربوية تعمل على توفير الطعام والملبس والعلاج، وتعلمهم على الاعتماد على قوتهم وتنمية مهاراتهم، وتساعدهم على ممارسة هواياتهم، وكذلك تعلمهم الاخلاق والقيّم والعادات الاجتماعية (كالانتماء وحب الوطن، والتضحية، وحماية الوطن).
ويحب علينا كمجتمع مدني (أباء وأمهات)، (حكومة وشعب)، العمل على توفير البيئة الصالحة لأبنائنا لنحقق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية، وإعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع، وتعريفهم على قيّمه وعاداته، والعمل على مدهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع، وكذلك توفير الاستقرار والأمن والحماية لهم، والتركيز على التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل تربيتنا لأطفالنا.
كما يتوجب علينا أن نهتم بأدق التفاصيل والتركيز على أسرنا لتربية أبنائنا وتنشئتهم النشئة الصالحة، وأن نحافظ عليها لجعلها أكثر تماسكاً واستقرار، ومن هنا نستطيع النهوض بأمتنا وحضارتها، ونمو الوطن وازدهار اقتصاده واستدامته، فالتربية السليمة لأطفالنا تخلق جيلاً واعياً مثقفً متزن نفسياً.
إن تعزيز الاتجاهات نحو الدفاع على الوطن لصون الأمة ورفعتها، والدفاع عن وحدته الوطنية، وتدعيم تطوره وازدهار اقتصاده، تقع على عاتق الأسرة والمؤسسات التربوية في مجتمعنا العربي. فمكانة المواطن العربي وكرامته ومصدر اعتزازه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوحدة وطنه.
ومن هنا ..!
من أسرتنا العربية ..
نستطيع الحفاظ على أجيالنا الحالية، بل ونستطيع أن نؤسس جيلاً لمستقبل أمتنا العربية جيلاً واعياً مثقفاً مبتكراً ومبدع، جيلاً قادراً على مواجهة تحديات تحوّل عالمنا، وتحمل أعباء الحياة. هنا، ستنهض أمتنا .. سينمو الوطن وسيزدهر اقتصاده ..
إن أردنا ذلك، فلا غير الأسرة .. وندعو المولى عز وجل ان يحفظ اوطاننا العربية والإسلامية، ويديم عليها الأمن والأمان، والتقدم والازدهار، في ظل حكامنا ورؤسائنا وحكوماتنا الرشيدة.