الدمام
قال الإعلامي خالد فاروق السقا لقد تشرفت مؤخرا باستضافة كريمة من لدن صاحب السمو الأمير أحمد بن بندر بن أحمد السديري، وذلك في قصره العامر بحي الغدير في الرياض حيث استقبلني سموه بتلك الابتسامة الجميلة التي تشي عن خلق رفيع ونبل أصيل، وسعدت للغاية بإهدائه لي كتاب أخيه سمو الأمير نايف بن بندر بن أحمد السديري، سفير خادم الحرمين الشريفين في مملكة البحرين، (موزاييك الذاكرة بندر بن أحمد السديري.. إنسانا وشاعرا) الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في طبعته الأولى عام 2020م.
والكتاب من كتب السيرة الذاتية حيث يتناول سيرة وحياة والدهما الأمير الراحل بندر بن أحمد السديري، رحمه الله، الذي اجتمعت فيه عديد من الخصال الطيبة والكريمة، والمواهب الفذة التي بذلها لخدمة دينه ووطنه، وتمتع بشخصية رائعة كان لها تأثيرها في المحيطين به، محيا للخير ومساعدا للمحتاج وكثير التبرع للأعمال والمؤسسات الخيرية، داعما للثقافة والعلم في المملكة، متصفا بالتنوع والشمولية وسعة الأفق.
قدم الأمير نايف رؤية بانورامية واسعة لحياة والدهما الراحل الذي كان عنوانا للعطاء بكل صنوفه، الأدبي والفكري والثقافي والاجتماعي والإنساني والخيري والعملي، وذلك من خلال رصد أدق التفاصيل من خلال جهد علمي في منهجية جمع واستقصاء المعلومات وفرزها وتحليلها واستخلاص الحقائق، وعكس التجربة على الواقع بكل موضوعية علمية.
منحنا سمو الأمير نايف في هذا الكتاب تجربة عميقة لشخصية عملاقة ثرية في فكرها وأدبها وإنسانيتها، ملتزما بكل منهج البحث العلمي والإبداع السردي، يقول عن مبادرته لإنتاج هذا الكتاب: “أوصاني والدي بكتابة سـيرته بشكل أو بآخر، بعد رحيله. أكد ذلك مرارا وشدد عليه. كان يفعل ذلك كلما ألححت عليه بنشر قصائده وتجربته الثرية في الحياة التي عاشها وحيوات من عاصرهم من أبناء هذا الوطن المضيء.. هذا الوطن السخي. في الواقع رضخ – والدي – عدة مرات للحوار والنشر عبر الأثير والتلفزيون والصحف كان تنازلا محدودا ليس بمستوى التجربة، وفي المقابل رفض عروضا أخرى قدمتها له، وهو يحدجني بنظراته الحنونة”.
ويضيف سموه: “لن أحشر ما بين غلافي هذا الكتاب كلمات وجملا لمجرد تنفيذ وصية والدي الحبيب – رحمه الله -، ونزولا عند رغبة كثير ممن أحبوه، ودرجوا منذ وفاته على مطالبتي بإنجاز هذا العمل، حتى أصبحت مطالبتهم – التي هي محل تقديري واعتزازي – عبئا لا يطاق، أدخلني في دوامة الخوف من التقصير. فعلى الرغم من أن الوصية هي الدافع الرئيس للكتابة، هناك أسباب أخرى وراء هذا الكتاب. وقد شرعت في الكتابة يوم ۲۹ يوليو ٢٠٠٤ جالسا على كرسي قصي في محطة قطارات مدينة ملقا الإسبانية، أرسم خريطة لمشروع هذا الكتاب الوليد، وأكتب عناوين فصوله، بعد أن أمضيت عاما كاملا – منذ وفاة والدي – في مراجعة وتدقيق المستندات كافة التي بحوزتي عن الوالد – رحمه الله – منتظرا موعد القطار الذي أقلني إلى مدينة مدريد. بدأت الكتابة، تلك اللحظة، منعتقا من كل قيد، معتمدا على ذاكرتي حينا، وعلى الشهود والوثائق المتاحة حينا آخر، باحثا عن لغة طيعة وسلسة ذات رونق يشبه الشعر، فمن أكتب عنه اليوم شاعر في المقام الأول، وكان يطيب له إطلاق هذه التسمية عليه. سأكتب تخليدا لذكرى والدي الفقيد نعم، تكريسا لحبي له، نعم وفي الآن ذاته أخلد ذكرى جيل وأكرس حبي لكيان اسمه المملكة العربية السعودية، الذي ولد بعد مخاض عسير ومؤلم”.
ويتحدث سموه باستطراد عن فكرة الكتاب، قائلا: “يداهمني سؤال يضج في رأسي: هل من الممكن جعل هذه السيرة رواية ممتعة لقارىء ما؟ كم أتمنى ذلك. أحاول أن أخرج بحذر من دائرة الكتابة السيرية التقليدية، التي تحرص على مطابقة المحكي للمعيش بطريقة حرفية مبالغة في الدقة والاستنساخ. تكسير خطية السرد وجعل الأزمنة متقاطعة، متداخلة ذات حيوية تستفز القارىء هو قطعا ما أردت لهذا النص الموسوم بالحقائق، التي بذلت كل ما في وسعي لاستدراكها بعناية وشفافية فلكل إنسان حكاية، وما أجمل أن تروى إن أمكن ذلك”.
وجدير بسمو الأمير نايف أن يبدع مثل هذا الكتاب الذي يمثل مزيجا من الرؤية العميقة والرواية الأدبية والوثيقة التاريخية والإبحار في عالم الذات التي عشقت وطنها وقدمت كل ما لديها لخدمته، وذلك ما سار عليه الابن الذي أنهى دراساته السياسية والاستراتيجية والدبلوماسية في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يتم تعيينه مديرا عاما لإدارة المنظمات المتخصصة بوزارة الخارجية، واختير ضمن وفد المملكة الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك. وانتخب مقررا للجنة الثالثة لحقوق الإنسان عن المجموعة الآسيوية في دورة منظمة الأمم المتحدة، وانتخب رئيسا لفريق العمل الأول لنزع السلاح النووي، ورأس وفد المملكة في عدة اجتماعات دولية، وتراس وشارك في تنظيم جلسات عمل دولية، وشغل منصب سفير خادم الحرمين الشريفين في كندا، ومن ثم سفيرا لخادم الحرمين الشريفين لدى المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة وسفيرا فوق العادة مفوضا غير مقيم لدى دولة فلسطين الشقيقة، وقنصلا عاما بمدينة القدس.
وهذا الكتاب الرائع إنما هو منجز أدبي وفكري وثقافي من العديد من منجزات السفير نايف الذي نشر عددا من الدراسات السياسية والإستراتيجية والدبلوماسية حول آليات عمل الأمم المتحدة، كما نشر دراسات في العلاقات الدولية، ما يعكس قيمة فكرية وإبداعية كبيرة وملهمة تجعلنا نقرأ له بشغف ونستمتع بحصاد التجربة والزمن عبر حروفه الندية.