الحاجة إلى انشاء نظام قضائى دولى للشعوب بقلم السفير د. عبدالله الأشعل

أظهر الصراع بين روسيا والغرب أن القضاء الدولى والمؤسسات الدولية الأخرى تقوم على الدول والسلطة السياسية المفترض أن تدير الدول وأن تكون منتخبة هى التى تدير سياسات هذه المؤسسات نيابة عن الدولة هذا فى الدول الديمقراطية التى تمثل نسبة قليلة جدا من دول العالم أما النسبة الأكبر فهى الدول المتخلفة تسيطر فيها النخبة العسكرية أو الحزبية أو السياسية او الاسرية على كل أدوات السلطة وتمثل هذه الشعوب فى هذه المؤسسات فتحرم هذه الشعوب من حقها فى التعبير عن نفسها فى الداخل والخارج وعلى سبيل المثال فإن الموالى لسياسة النخبة وخطها فى الدول المتخلفة هو الذى يرشح للمناصب الدولية حتى لو كان فقيرا فى المؤهلات والكفاءة ولذلك ظنت إسرائيل أن العقلية العربية عقلية متردية قياسا على عقليات الحكام العرب وهم أكثر عناصر الأمة سطحية ولا يستعينون إلا بالعناصر السطحية بشرط أن تكون موالية وهذا يؤدى فى نهاية المطاف وعلى المدى البعيد إلى سقوط الدول المتخلفة وإلى حرمان المنظمات الدولية من الكفاءات وقس على ذلك فى جميع المجالات.
فمحكمة العدل الدولية قاصرة على منازعات الدول القانونية وعضويتها قاصرة على الدول ولذلك يستحيل رفع قضية تتعلق بالدولة إلا من خلال حكومتها وقد كثرت ظاهرة استيلاء الحكومات الأوروبية على ارادات حكومات الدول المتخلفة كما اتسمت هذه الحكومات بعدم القدرة على الادارة حتى لو توفر لديها الاخلاص والحرص على الوطن وهو أمر مشكوك فيه لأن الحكومة فى الدول المتخلفة تقدم نفسها على أنها الدولة فى الداخل والخارج ولذلك لابد من البحث عن طريقه أخرى لتمثيل مصالح الدول المتخلفة وأن يكون هناك منصة لسماع شعوبها بعيدا عن فكرة تشجيع الدول الاجنبية للمعارضة لهذه الحكومات فهذه المعارضة تجد سندها الوحيد في الحكومات الأجنبية وإذا كانت هذه لها مصلحة مع حكومات الدول المتخلفة فإنها أما أن تشجع المعارضة أو أن تقضى عليها وقد رأينا أمثلة كثيرة لذلك فى الحالات العربية جميعا. وإذا كانت حكومات الدول الديمقراطية من مصلحتها أن تسلم المعارضين لحكومات الدول المتخلفة فلا عبرة لشعارات حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التى تملا سماوات الدول المتخلفة وأبرز مثال على ذلك هو النظرية التى تقول أن حقوق الإنسان ليست مطلقة تختلف من دولة إلى أخرى وأحيانا يضر هذه الأفراد معاملاتها معاملة إنسانية وقد يصلح معها معاملة العبيد والطريف أن هناك تفهما لذلك بين الدول الديمقراطية والدول المتخلفة ولذلك أصبحت منظمات حقوق الإنسان عالمية ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بعيدة تماما عن الواقع مادامت المصالح فى الدول الديمقراطية هى التى تحكم سلوك هذه الدول حتى لو على حساب المبادئ وهذه النظرية معترف بها فى العلاقات الدولية والنظرية البراجماتية الواقعية التى تقدم المصلحة على المبدا مهما كان التناقض بينهما فادحا وواضحا.
وإذا كانت الدول هى التى تنشيء المنظمات الدولية عن طريق الحكومات فإن الشعوب بحاجة إلى تطوير الادارة الأهلية التى تراقب الحكومة والتى تروج لفكرة التمثيل الشعبى غير الحكومى فى الاطار الدولى ونقطة البداية فى ذلك هى تشكيل مجتمعات مدنية واعدة تستطيع أن تشكل منتديات دولية فى جميع القطاعات وخصوصا القطاع السياسى والقطاع القضائى وقد نشأت هذه الفكرة بسبب اختلاف الرؤي فى ادارة بعض الملفات بينى وبين بعض الحكومات المتعاقبة فى مصر ونخص بالذكر ملفين الملف الأول هو ملف وادى النيل والملف الثانى هو ملف القروض الأجنبية وقد أصبحت المعلومات الخاصة بهذه الملفات واضحة ومعلومة ولا يمكن تبرير سلوك الحكومة بأنها تعرف ما لايعرفه المواطن فقد أصبحت مصادر المعلومات الدولية موثقة مقابل تراجع مصداقية البيانات والمعلومات التى تقدمها الحكومات الداخلية وأقترح أن تكون هناك منصات للمناظرة أمام شعوب هذه الحكومات التى حرمت منها العناصر العاملة لمصالح الوطن فى الداخل والخارج. وعلى سبيل المثال فيبدو أن أثيوبيا لديها الكثير من أوراق القوة ضد مصر ولذلك فرضت عليها موقفا أحاديا تشكو مصر منه ولكن تململ الحكومة المصرية لا يكفى لدفع الكارثة التى تتعمد أثيوبيا أن تلحقها بمصر وهى حرمان مصر بالكامل من حقوقها القانونية فى نهر النيل ومن مصلحة الحكومة أن تنشأ جمعية أهلية لها الحق فى الأشتباك العالمى مع أثيوبيا مادام الهدف فى الحالتين واحد وهو أستخلاص حقوق مصر المائية من أثيوبيا وتفسيرى لسلوك الحكومة المصرية هو أنها ربما اعتقدت أن تحسين العلاقات الشخصية بين القيادات السياسية فى البلدين يمكن أن تكون ضامنا لحقوق مصر المائية ولكنى أرى أن هذا المنهج فى حالة أثيوبيا لايجدى ولدي روشتة كاملة للتحرك المصرى سبق أن أوضحتها ومستعد لايضاحها مرة أخرى فى سلسلة مقالات حول هذا الموضوع.
الملف الثانى هو ملف القروض تقديرى أن القيادة السياسية لم تجد دعما من الوزراء الفنيين بل وجدت تشريعا غير قائم على المصلحة المصرية الخالصة وانها استغرقت فى هذا السبيل ولذلك شعرت بالغضب الشديد عندما استمعت إلى وزير المالية يؤكد أن خدمة الدين واقساطه وصلت إلى نسبة فارقة فى الميزانية وفى الدخل القومى الاجمالى وكذلك فى الناتج القومى الاجمالى وأكد فى الاعلام المصرى أن احتياجات الدولة يتم تمويلها من خلال قروض جديدة ولذلك من مصلحة الحكومة أو الدولة أن تلجأ إلى نظرية اخترعتها الولايات المتحدة فى القانون الدولى وهى أن القرض يجب أن يوجه الي تطوير الاقتصاد القومى أما أن وجه لغير ذلك فالدولة ليست ملزمة باداء هذا الدين وقد اخترعت واشنطن هذه النظرية لكى تحرم إيران من التعويضات المستحقة على العراق بسبب شن صدام حسين الحرب على إيران بشكل عبثى فى هذه الحالة يجب تنبيه الأمم المتحدة والدائنين والمقرضين الجدد الي هذه النظرية وأن يقوموا جميعا يالاستيثاق من مدى توفر هذا المعيار المسقط لالتزام الدولة فى رد الدين والملاحظ أن هذه الجهات تساهلت كثيرا وشجعت باستمرار علي الاقتراض بل ونشرت تقديرات مزيفة حول قدرة الاقتصاد المصرى على السداد . وفى المقال القادم توضيح لآليات ومباديء انشاء القضاء الدولى الخاص بالشعوب.

شاهد أيضاً

blank

“سامي أبو سالم .. صوت غزة الذي لا يخبو تحت الحصار”

  سمير السعد في عالم الصحافة، حيث الكلمات قد تكون أقوى من السلاح، يقف الصحفي …