بقلم: د. طراد علي سرحان الرويس
إن مهمة إعداد الشباب مادياً ومعنوياً، علمياً وفكرياً، من المهام الأساسية في تكوين مراحل التربية والتعليم والتدريب، وفي تحديد الطريقة التربوية والفكرية، والاتجاه الحضاري والبيئي العام على شخصيتهم، حيث تسعى العديد من حكوماتنا العربية الرشيدة الاهتمام بالشباب وإشراكهم في صنع مستقبلهم على نحو مشرق ومزدهر، وتأهيلهم لتولي مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه البناء والإنتاج، وإشراكهم لزيادة الإسهام في الناتج المحلي، وتشجيعهم على تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية، وحثهم على التكافل، وخلق لهم بيئة يسودها العدل والمساواة، وإشراكهم في محاربة الفساد والإرهاب والفقر، بذلك سيتحقق لهم الأمن والأمان والاستقرار، وسيكونوا قادرين على تأدية واجباتهم وتحمّل مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم، وسيصبحوا عناصر مثقفة منتجة، وقوة بناءة في مسيرة امتهم ووطنهم للنهوض والتقّدم.
شبابنا هم المرتكز الأساسي لتحقيق النهضة العربية، فمنهم تنطلق بواعث الأمل والنهضة والرقّي، وبتقديرهم وتحفيزهم وتشجيعهم وتوجيههم التوجيه الصحيح، سيساهم في بلوغ غاياتهم وأهدافهم، وتحقيق حلم أمتهم (الوحدة العربية)، وذلك يتطلب مجتمع قوي يقوده شباباً أكثر ثقافة ووعياً بالتحديات التي تواجه أمتنا ووطننا، قادرين على مواجهة تلك التحديات والتغلب عليها، لذا تعمل حكوماتنا العربية على إعداد وتنشئة جيلاً جديداً من الشباب يتحلى بالوعي والثقافة، ويكون منتجاً متفائلاً، قادراً على إيجاد الحلول لقضايا أمته ووطنه، ويكون ذلك الإعداد بحشد الجهود والطاقات نحو تجهيز العقول العربية وتنمية المهارات وتحديد الأولويات التي يتم تجهيزها من أجل صقل الشخصيات لمرحلة البناء والنمو، ولأجل تسخير إمكانياتهم وتطويرها ليكونوا لبنة أساسية في رقيّ المجتمع وتقدمه، وفي تنمية وطنهم والارتقاء باقتصاده واستدامته.
وخلال الفترة القريبة الماضية، تردد على مسامعنا مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وكثير ما طرّق هذا المفهوم على وسائل الاعلام المختلفة، التي لم تنجح آنذاك في بلورة مفهوماً للمسؤولية الاجتماعية بصورة واضحة، لتصل إلى أذهان شبابنا العربي، وعن كيفية ممارستها تجاه وطنهم وأمتهم، وبعد الاطلاع على عدة بحوث ودراسات علمية تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، وجدنا بأن العديد من رواد الأعمال في هذا القطاع يتفق على أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية هو “منهج أو سلوك ينتهجه المواطنين أو منظمات المجتمع المدني، في سبيل القيام بواجباتهم تجاه أنفسهم أولاً ومن ثم تجاه مجتمعهم ووطنهم”، ويمثل مفهومها أسلوب حياة تشدد على الإصلاح في المجتمع لتغييره نحو مجتمع مثقف واعي ومنتج.
حيث أن مسؤوليتنا الاجتماعية تجاه مجتمعنا المدني، تنطلق من القيام بواجباتنا نحوه، وتتسع للعمل الجماعي التشاركي بين أطيافه ومنظماته وبين منظمات القطاع الخاص والقطاع الحكومي، ليتجاوز المفهوم الذي يقيّد مسؤولياتنا الاجتماعية ويجعها في إطار مغلق لا تتعدى مفهوم العمل التطوعي الخيري وأعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، بل يجب أن تتعدى مفهومها لتلامس احتياجات ومتطلبات أفراد المجتمع وتحقق تطلعاتهم نحو بناء حياة معيشية كريمة مستدامة لهم وللأجيال التي من بعدهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال البحث والعمل على إيجاد مبادرات احترافية مستدامة تخدم المجتمع والوطن، وتسهم في دفع عجلة التقدم والتنمية، من خلال العمل على تصميم دراسة متعمقة وإطار عملي علمي واضح، وتعاون يرتكز على الأمانة والإخلاص في العمل.
والجدير ذكره، هو أن المسؤولية الاجتماعية تعّد نظرية أخلاقية ترتكز على الحقوق والواجبات، وإشباع الحاجات، وحل المشكلات، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى مساهمة شبابنا تجاه مجتمعهم، ومدى إشراكهم لإشباع حاجاتهم وتحقيق تطلعاتهم، وإيجاد حلولاً لمشكلاتهم، فمفهوم مسؤولياتهم الاجتماعية أعمق وأشمل من كونها أعمال تطوعية خيرية، أو أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية المجتمعية، بل مسؤوليتهم الاجتماعية تعّد واحدة من دعائم الحياة المجتمعية، ووسيلة من وسائل تقدم الأمم والنهوض بها، ومن خلالها يشارك المجتمع في الشأن العام بأبعاد الاقتصاد والثقافة والتربية، وتعّد كذلك مطلب أساسي لتنمية وطننا والنهوض باقتصاده، ليتحقق حلم أمتنا العربية، (الوحدة العربية).
فالنهضة هي فعل إبداع تاريخي لإعادة صياغة المكوّن الإنساني للحضارة العربية والإسلامية باستلهام مبادئها، وإثرائها بأفضل منجزات الحضارة الإسلامية المعاصرة، ولتحقيق ذلك يجب التحرير من القيود الماضية في حرية المواطن والوطن، وكذلك في إطلاق الطاقات الشبابية المنتجة لخلق معارف جديدة، وابتكار نظريات وتطبيقات مبدعة في العديد من المقومات التي ستؤدي إلى نهضة أمتنا ووطننا العربي، وإلى التقدم المجتمعي والرفاه الإنساني.
وانطلاقاً من دور مجتمعنا المدني في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية بين أطياف، وتعزيز تطبيقاتها في منطقتنا العربية، ولتطبيق هذا المفهوم يتطلب الوعي، وتضافر الجهود بين الشباب والعمل بأمانة وإخلاص وصبر، لرفع اقتصاد الوطن وازدهاره واستدامته، وتحسين معيشة أفراده، والأهم من كل ذلك هو العمل من أجل الإصلاح في المجتمع في كافة مجالاته الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وبنظرة تفاؤلية نستطيع من خلالها بناء مستقبلاً واعداً ومزدهراً ومستدام.
ومن اجل تفعيل المسؤولية الاجتماعية يجب العمل معاً في كافة الميادين ومختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتعليمية والصحية والسياسية والدينية والمهنية والإنسانية والفنية والثقافية والرياضية والإعلامية والترفيهية التي تخدم كافة فئات المجتمع، ويجب أن يكون الجميع في مستوى أهمية المسؤولية الاجتماعية، وفهم رؤية حكوماتنا العربية في التوجيه والدعم والمساندة لقطاع المسؤولية الاجتماعية التي تعّد واجباً وطنياً، وواجباً مهنياً مجتمعياً، وشريكاً في التنمية والعمل والانجاز والطموح، بهدف بناء وطن عربي مزدهر ومشرق وطموح ومستدام.
ولذلك يتوجب على شباب مجتمعنا العربي ومنظماته، العمل من خلال مسؤولياتهم الاجتماعية التي تقع على عاتقهم تجاه أنفسهم وأمتهم ومن أجل المصلحة العامة للمجتمع، والحفاظ على التوازن ما بين أنظمته الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، لبناء مستقبلاً مشرق مزدهراً لأمتنا والنهوض بحضارتها وتقدمها بين الأمم، ولتنمية وطننا العربي والنهوض باقتصاده، ولتحقيق ذلك أيضاً نحتاج مجتمعاً مدني واعياً يعمل على نشر ثقافة التفاؤل والإصرار على النجاح، والعمل على تلافي الأخطاء للخروج من مأزق أمتنا ووطننا العربي، ولتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، الذي سيقودنا إلى بلوغ وحدتنا العربية وتعزيزها بخطى ثابته.
وما أردت الإشارة إليه، هو أن النهضة المطلوبة تكون بعد النماء المتكامل والملازم للأمن والسلم والسلام في بيئة يسودها العدل والحرية والأخلاق الحميدة، فعوامل النهوض كثيرة، وسبلها متعددة، ولكن رجالها ومن يقوم عليها قلة فإذا ما تكاتف الشباب في مجتمعنا العربي، وتعاونت الأسر والجماعات، والمنظمات، ستستقر مجتمعاتنا العربية، وستظهر الابتكارات، وتبرز كل تنمية، وتترسخ النهضة وتتطور.
وأخيراً، أتمنى من الله أن أكون قد وفقت في طرح قضية (المسؤولية الاجتماعية) التي تعّد هامة وضرورية لتحقيق وحدة أمتنا العربية.