بقلم الكاتب والمفكر السوري – نادر عكو
الانسان مخلوق استثنائي , خلقه الله في أحسن تقويم , ووهبه القدرة العقلية وأمده بالعلم والمعرفه ليقوم بمهمته على الارض التي بسطها الله له وجعلها ذلولاً خاضعة لارادته وعليها راح هذا الانسان يكتشف الغموض في الطبيعة و يحقق طموحاته المشروعه المتمثلة في بناء مشروعه الحياتي الذي يحقق أهدافه ويقدم لاخوته من أبناء البشرية رسالته الانسانية التي يعبر فيها عن قيمة وجوده في هذا الكون الواسع ,متسلحاُ بامتلاك الارادة والتصميم والعزيمة الخارقه وفق الحرية المسؤولة التي وهبها له الله وفضله على العالمين ….
دور الارادة في الموقف البشري أثناء تحركات الانسان في دروب الحياة الصعبه التي يكتنفها الغموض وصراعاتها واخفاقاتها أمور بالغة الاهمية , فبالارادة القوية يحقق الإنسان أهدافه المشروعه ، ويكرِّس جهده وإهتمامه وطاقاته من أجل تحقيقها .
فبالارادة نحقق التغيير الذي نحاكي فيه حركة الكون المنضبطه ونرتقي من خلاله الى أفاق عالية من الحياة والاستقرار والامن والازدهار , فمحاكاة حركة الكون في جوهرها مهمة مهمّة صعبة في حياة الانسان ومن التحديات المطلوبة معالجتها بكل جدية للحصول على المعرفة والعلم بهدف استثمارهما في رقي البشرية , فهي تحتاج إلى إرادة وعزيمة….
الأُمّة التي فقدت إرادة التغيير المتمثل بمحاكاة الحركة الكونية والخروج من المشاركة الفعالة في العزف السنفوني الكوني مع عناصر الكون وفق ايقاع بالغ الدقة والعظمة هي أمة فاقدة لروح الرفض للواقع المتخلِّف التي وضعها فيه أهل الشر ، راضية بالاستمرار بالعيش تحت ظروف استجداءاتهم و الظلم والفساد والفقر التي ألفتهم عبر حياتها مع أهل الشر…
أصبحت أمة خارجة عن حركة الحياة ولا تسعى إلى اقتناص الفرص والتربع على موضع أفضل، ومستقبل زاهر….
نعم الامة التي فقدت ارادة التغيير ومحاكاة حركة الكون والمشاركة بفاعلية في العزف السينفوني الكوني لا يمكنها أن تحقِّق النهوض ولاالتحرّر من التخلّف والظلم والفساد السياسي والاجتماعي، ولن تحقق التنمية الاقتصادية والتقدّم العلمي.
إنّ التغيير الايجابي هو التغيير الجذري الشامل الذي يبدأ من أعماق النفس البشرية من داخل أنفسنا ، منطلقاً من تغيير المحتوى الذاتي للإنسان، فتغير الوضع الفكري والروحي والسلوكي للإنسان، هو منطلق التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقانوني:
يقول الله الخالق : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).
نعم وفق إرادة التغيير والعزم يحدث التغيير, و إيجاد هذه الإرادة يحتاج إلى عمل متواصل يقوم به الشباب بالتسيق مع المفكرين والعلماء ممن يحملون الارادة والعزيمة ويتم ذلك من خلال الدعوة الى التغيير بالحكمة والرشاد .
المصلحون والقائمون على التغيير ومحاكاة حركة الكون والمشاركة في العزف السينفوني مع عناصر الكون هم الذين يملكون الارادة وهم الذين وصف الله بصفوة الأنبياء وهم أولو العزم وهم الذين حملوا الرسالات بقوةّ وتحمّلوا مشاق التغيير والصراع بأشدّ صورها.
قال الله مخاطباُ رسولنا محمد ( ص) : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (الأحقاف/ 35).
كذلك خاطب الله النبي يحي عليه السلام : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) (مريم/ 12).
فلنحمل رسالة التغيير بحكمة ورشاد وبقوّة وعزيمة وإرادة .
فالتغيير هو محاكاة حركة الكون فهو أمر رباني : يقول الله تعالى
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال/ 7-8).
فلننظر الى هؤلاء العظماء الذيم سبقونا وحملوا إرادة التغيير، وقوّة العزيمة والثبات، لننظر الى صور الطلائع من بني البشر من الذين امتلكوا الإرادة الصلبة، ولنجعلهم نموذجاً نُقتدى به، ولنتعمق في تجربتهم الإنسانيةالتي لا تزال ساطعة في الافاق …لنستذكر دائماً أولوا العزم من النبيِّين والذين ساروا معهم في الدروب …
قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/ 146-147).
فما دمنا نحاول محاكاة حركة الكون ونسعى للمشاركة في العزف الكوني فلن نحيد وسنظل ثابتين ولن نهزم …
فنحن لم نخلق لنهزم , وفي أعماق أنفسنا قوة قادرة على تنفيذ عملية التغيير بحكمة ورشاد بعيداُ عن الارهاب واغتصاب الرأي الاخر ….
نعم لن نكون كمّاً مُهملاً تجرفه حركة التأريخ من الجغرافيا …
نعم لقد فهمنا رسالة القرآن وهو يخاطبا :
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
والكتاب الذي بين أيدينا مكون من : الباب الاول : مدخل الى الفعل وردة الفعل : نتعرض خلاله حول مفهوم التغيير وفلسفتي في التغيير , ونستعرض كيف يتغير الناس وكيف يمكن أن نتصور التغيير , كذلك نستعرض مقاومة التغيير وغير ذلك من المواضيع.
والباب الثاني : الفعل وردة الفعل – ارادة التغيير:
نعالج من خلاله مواضيع شتى ذت صلة بالتغيير وتسلسل العصور البشرية والثورات العلمية والصناعية وثورة المعلومات المفرطة أضافة الى الاستنتاجات من الدروس المستفادة ورسائل الى الشباب .