بقلم – السفيرة الدكتورة ماجدة الدسوقي
عندما أرجع بذاكرتي حوالي نصف قرن من الزمن بل وأكثر أتذكر الهدوء والبساطة
والإنسانية التي كانت تجمع المجتمع أولاً كله تقريباً والأسرة بكاملها أيضاً. لم نكُ نسمع
عن هذه القسوة والعنف الشائعان في المجتمعات والأسر والأقارب إلا من رحم ربي .
كانت النفوس أنقى وأنظف والضمائر طاهرة وحية في الأبدان .
* أما في وقتنا الحالي فقد تبدلت الأحوال والنفوس وطغت الأنانية والفساد في العقول
والتفكير ومات الضمير الحي ، فأصبحنا وأمسينا على أحداث عنف غريبة جداً بل أصبح
العنف ضد المرأة والفتاة والطفل يتخذ أشكالاً عدة : فمنه العنف الجنسي والبدني والنفسي
والإقتصادي وحتى أقله اللفظي ، فهو يحدث في البيت ، والشوارع ، والمدارس ، وأماكن العمل
وحتى في مخيمات اللاجئين . يعتبر العنف ضد المرأة والفتاة والطفل أكبر خرق لحقوقهم
الإنسانية ، والغريب أنه قد إنتشر في السنوات الأخيرة إنتشار النار في الهشيم في كل
بلدان العالم ولكن بفروقات أحياناً كبيرة جداً .يسود العنف في المجتمعات بغض النظر عن
العمر أو العرق أو الجنسية أو حتى الجيل !
* الكثير من الصحفيين والإعلاميين ، وبعض الجمعيات النسوية تناولت هذا الموضوع
بإسهاب ولكن يغفل الكثير منهم عن ذكر عنف جديد معاصر الا وهو عنف الحروب وخاصة
في العالم الإسلامي ، هذا العنف موجهاً ليس فقط للأفراد بل يحرق الأخضر واليابس
ويهلك الحرث والنسل . والأدلة واضحة للجميع في عدة بلدان عربية يحرم رجل مسن أو إمراة
مسنة أو إمرأة حامل أو طفل رضيع من حق الحياة هذا علاوة على المتحاربين من الطرفين !
وهنا يحضرني قول الأديب الفرنسي “بول فاليري” عندما قال ” الحرب هي مجزرة بين أناس
لا يعرفون بعضهم البعض من أجل أناس يعرفون بعضهم البعض لكنهم لا يقتلون بعضهم
البعض ” أي حروب تشتعل بالوكالة للقتل والتخريب والتدمير وتمتد لسنوات طويلة كي تحصد المزيد من أرواح الأبرياء وهذه الفئات المتحاربة تسير بدينامكية المال والفتاوى الخاطئة والأيدولوجيات الخارجية !
* ولقد عرفت الجمعية العمومية للأمم المتحدة العنف ” بأنه أي اعتداء مبني على أساس الجنس والذي يتسبب بإحداث إيذاء او ألم جسدي أو جنسي أو نفسي للمرأة ويشمل التهديد بهذا الإعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات سواء في إطار الحياة العامة أو الخاصة .” تبذل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وجمعيات حقوق الانسان المنتشرة في العالم جهودا مضنيةً لوضع القوانين الملزمة للحد من إنتشار ظاهرة العنف ، ولكن النتائج قليلة وضعيفة . والحق يقال أنه توجد إتفاقيات وتوجيهات ولكنها لا توضع موضع التنفيذ لما يستشري في الكرة الارضية من فساد كبير . لا يمكننا القول بأن عالمنا الحالي يسوده العدل والمساواة لكي تعيش المرأة والفتاة والطفل في مأمن من الخوف والعنف . لا شك أن كل المنظمات الدولية والجمعيات المهتمة بهذا الشأن تخصص يوما في كل عام لِلَجْم العنف ولكن دون جدوى مثمرة !!وتشير التقديرات العالمية التي نٰشرت من قِبَل منظمة الصحة العالمية أن واحدة من كل ثلاث نساء في أنحاء العالم يتعرضن للعنف على أيدي أزواجهن أو غيرهم أي بنسبة ٣٠٪ وعلى الصعيد العالمي تصل نسبة جرائم قتل النساء الى نسبة ٣٨٪ أليس هذا هو الظلم الفادح بعينه ؟
* لا بد من سن تشريعات صارمة ضد العنف بجميع أشكاله حتى لا يفلت الجاني أو يصدر ضده حكما مخففا يستهين به لفعلة ثانية وثالثة أو حتى أحيانا يصدر له حكم براءة لعدم وجود الأدلة الكافية وهكذا يمضي الجاني يُثخن في ارض الله بجرائمه . بودي لو تتكون لجنة أممية تحاسب الجاني في اي مكان في العالم وبدون تدخل الدولة للجاني ولكن الحروب والركود الإقتصادي والتباري في إختراع الأسلحة الأكثر فتكا تجعل العالم كله لا يهتم ولا يأبه لمشاكل العنف !!!
* وفي النهاية لا بد من التنويه – حتى لا نغمط حق الرجل – أن بعض النساء يرتكبن جرائم أشد عنفا من الرجال مع طرف آخر ضد الزوج لمصلحة ما وأعتقد أنه في مثل هذه الجرائم يكون التخطيط لها أما التنفيذ فلهما سويا .
* اذا لم نُفلح في القضاء على العنف بجميع أشكاله في أنحاء العالم ،الا يمكننا القضاء عليه أُسريا ؟ بلى الى حد المستطاع :
١/ زيادة الاهتمام بالعنف الاسري إعلاميا وعدم الخجل من عرض ذلك على شاشات التلفاز ، يتبع ذلك ندوة من المختصين لتوجيه أفراد المجتمع لفعل الصواب وإبداءالنصح .
٢/ تعليم الأطفال وتدريبهم على المعاملة الأخلاقية المثالية في الحياة للتنشئة السليمة لهم .
٣ / يجب على الأمهات والآباء تجنب النقاش الحاد أمام الأطفال ونثر الألفاظ البذيئة حتى لا يشعرون بأن هذا سلوكيا طبيعيا
٤/ كما يجب عدم تعنيف الأطفال ليشبوا على مثل هذا السلوك السيء .