خاص: بوابة الاخبار العربية
في قلب مدينة تارودانت، وسط الأزقة التي تحتضن عبق التاريخ، تبرز فاطمة مصفير كفنانة تشكيلية عصامية جعلت من موهبتها سلاحا للتعبير عن هويتها المغربية. بدأت هذه الفنانة رحلتها الفنية منذ طفولتها، حيث كانت تكتشف جماليات الألوان والخامات المتاحة حولها وتحولها إلى أعمال فنية تنبض بالأصالة.
من بين أبرز أعمالها لوحة فنية مستوحاة من موسم تمصريت، وهو احتفال شعبي يقام في تارودانت يجمع الناس حول طقوس تقليدية متوارثة. تجسد اللوحة مشهدا نابضا بالحياة يعكس روح هذا الموسم، حيث يظهر الفخار في تناغم مع النساء المشاركات في الطقوس، وهن يرتدين أزياء تقليدية تحمل ألوانا مستوحاة من الطبيعة المحلية. تعبر اللوحة عن ارتباط الإنسان بالموروث الثقافي، كما تبرز الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على هذه التقاليد. من خلال هذا العمل، استطاعت فاطمة أن تنقل للمشاهدين صورة متكاملة عن موسم تمصريت وما يحمله من رمزية ثقافية وروحية.
منذ صغرها، لم يكن لديها دعم أكاديمي أو فرص لتلقي تعليم متخصص في الفنون، لكن شغفها بالفن كان أقوى من أي عقبة. اعتمدت على نفسها في تعلم تقنيات الرسم والنحت والعمل على مواد مختلفة، فكان الزجاج أول ما لفت انتباهها. استخدمت الألوان والرموز المغربية التي ورثتها من محيطها الثقافي لتحول الزجاج إلى لوحات فنية تأسر الأنظار بجمالها ودقتها.
لم يتوقف إبداعها عند الزجاج، بل اتجهت إلى الثوب كمادة جديدة للتعبير. استعانت بتقنيات الرسم اليدوي والتطريز لتخلق تصاميم مستوحاة من الطبيعة والتراث المحلي. كل قطعة من أعمالها على القماش كانت تحكي حكاية عن الأرض والإنسان والحياة في تارودانت.
كما كان للطين نصيب من إبداعاتها. حولت هذه المادة الخام إلى منحوتات وتماثيل تعكس تفاصيل الحياة اليومية وتجسد الارتباط العميق بين الإنسان والأرض. برعت في استخدام الطين كوسيلة للتعبير عن رؤيتها الفنية وجعلت منه أداة لربط الحاضر بالماضي.
شاركت الفنانة فاطمة مصفير في عدد من المعارض الوطنية والدولية التي كانت فرصة لعرض أعمالها للجمهور. من أبرز مشاركاتها معرض الفن التشكيلي بتارودانت وأكادير، حيث أبهرت الحضور بأعمال زجاجية مزينة بالرموز المغربية. كما شاركت في الملتقى الوطني للفنانين التشكيليين بأيت ملول، حيث عرضت لوحات فنية لاقت استحسان النقاد. لم تقتصر مشاركاتها على الزجاج والطين فقط، بل قدمت تصاميم على القماش في معرض ليلة الأروقة، حيث أظهرت قدرتها على الجمع بين الإبداع والبساطة.
ترى الفنانة أن الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الجمال، بل هو رسالة تربط الإنسان بجذوره وهويته. تؤمن بأن كل لوحة أو منحوتة تحمل قصة تعكس عمق ثقافتها المحلية وتبرز جماليات التراث المغربي.
رغم التحديات التي واجهتها، تستمر الفنانة في تطوير نفسها وتوسيع آفاقها الفنية. تحلم بإقامة معرض شخصي يضم جميع أعمالها ويعكس مراحل تطورها الفني، كما تسعى لتعليم الشباب تقنيات الرسم والنحت للحفاظ على التراث المغربي ونقله للأجيال القادمة.
من خلال أعمالها، أثبتت هذه الفنانة أن الموهبة والإصرار قادران على تخطي جميع الحواجز، وجعلت من الفن نافذة تطل منها على عالم مليء بالأصالة والإبداع.