بقلم: نيبال جبر
“الكلمة”، مفتاح الحياة، وأولى مفارقها؛ هي السراديب التي تكشف أسرار التاريخ الذي يدوَّن بحروفها؛ وهي الحافلة التي تعبر بنا إلى مجاهل الجغرافيا؛ حتى اﻷساطير والمرويات التراثية والكتب السماوية استخدمت الكلمة لتوارثها، وحثَّت عليها في نصوصها، فنجد الله عز وجل وقد بدأ أول إيحاءاته للنبي محمد (ص) بالكلمة، حين أمرهُ بأن يقرأ، فباتت الكلمة أولى آليات الإيمان، وسبيل الوصول إليه. وتعد الكلمة حجر أساس الجملة؛ فيما تعتبر الجملة هي أساس نجاة المجتمع أو دماره.
فبالنسبة للأسرة، من الممكن أن تؤدي الكلمة أحيانا، وبالتالي الجملة، إلى نجاتها أو دمارها، وأُسرنا العربية شغوفة بالأفكار الجديدة، التي تحمل شعارات برّاقة، مثل شعار “دعم الأسرة”، و”المحافظة على الأسرة”، و”الحريات”، و”التمكين”، وغيرها من المصطلحات التي تعتبر سلاح ذو حدّين؛ إما تقود إلى نجاة الأسرة، أو إلى دمارها وللأسف فأسرنا العربية تتعرَّض عن طريق الشعارات البرَّاقة المغرية والوهمية إلى الدمار بأسلحة دمار شامل، هي في حقيقتها “كلمة”. فغالبية المبادرات التي توجَّه إلينا تعتبر مبادرات لـ “الدمار الشامل”؛ لا سيما البرامج التي تُناقِش كيفيات حماية المرأة، وتُعتبر في حقيقتها “دمار”؛ والفتاوي التي يتم إصداراها هي فتاوى لـ “الدمار” وليس لإصلاح الأسرة، تكون ضحيتها في الحقيقة المرأة نفسها وأسرتها. كما أن الشعارات والفتاوى التي يُهيّأ لنا أنها لحماية المرأة، هي في حقيقتها مؤامرة على المرأة وليست لصالحها، ولصالح حمايتها، ونحن نكرر مرارا هذه الشعارات، ونرفع أصواتنا، ونهتف بحرية المرأة، ونتسابق علي الظهور الإعلامي، وجني المكاسب الشخصية، دون وعي مننا بأن هذه الشعارات هي أسلحة موجهة ضد المرأة وأسرتها.
وأخيرا، فليتحمل أي إنسان أطلق كلمة ساعدت في عدم استقرار بيوتنا وزرها امام الله، فإن هذه الأسلحة المتجسدة في الكلمات قد دمرت أسرنا، وعلى صادقين النية قبل أن يطالبون بحرية المرأة وحقوقها أن يقوموا ببناء عقلها وتأسيسها ثقافيا، حيث يبدأ من هنا حصول المرأة علي حقوقها وبناء قوتها وتحقيق استقلالها. كما أن بناء عقل المرأة هو بداية ﻹنشاء مجتمع سليم، بتأسيس شخصية أمهات يعلمن ما لهن وما عليهن، ويقمن بتقديم نشأ صالح، يفكر بشكل صحيح، ومتعلم ومثقف. وهنا تكمن البداية… بناء المجتمع … ببناء الأسرة… ببناء الفرد؛ فلا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها.