المجهول والمعلوم تحت الماء

كتبت – مروة الحمامصي
كوكب الأرض ذلك الكوكب الأزرق الذي يشغل الماء 71% من مساحته , أدرك الانسان منذ بدء الخليقة أهميته لاستمرار الحياة , فقد قال الله تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ” سورة الانبياء (30) , فعاش البشر بالقرب من موارد المياه للاستفادة منها , وصنع الأطواف العائمة وتطورت شيئا فشيئا لقوارب ثم سفن لتنقله من مكان لآخر .
وإذا كان الانسان قد استخدم الماء في مختلف نواحي حياته و كوسيلة للنقل , فالقرب من الماء أو سطحه لم يشبعا شغفه في معرفة مايخفي هذا السائل العجيب , فسطحه مجرد غطاء لحياة عجيبة لاحصر لغرائبها .
و كوكب الأرض تمثل مياه البحار والمحيطات فيه حوالي 96.5 % من مياهه , والباقي مياه عذبة تمثل الأنهار والبحيرات 0.3 % منها والباقي مياه جوفية و متجمدة و متبخرة في السحاب . وبطبيعة الحال شغل قاع البحر ذو اللون الأزرق الصافي عقل الأنسان عن ماء النهر والبحيرة حيث غنى الأول بالكائنات البحرية ذات الألوان المتعددة وسهولة الرؤية إلى حد ما في مياه البحر عن مياه النهر والبحيرة , وكشفت احدى الحفريات التي ترجع للعصر الحجري القديم الأعلى (18000- 7000) ق.م في قرية السبيل التي تبعد كيلومترين شمال كوم امبو- أسوان . عن وجود ناب سفلي لفرس النهر , والكثير من سفا السمك دليلا على تفاعل انسان ذلك العصر مع خيرات الماء واستفادته منها , بل وجد ايضا قطعة من المرجان الأبيض يرجح أنها أتت من البحر الأحمر ممايدل على وجود صلات بين سكان الوادي والبحر الأحمر ومدى تفاعل سكان البحر الأحمر مع بيئتهم واختيارهم للأشياء النفيسة من البحر ومبادلتها . كما أن هناك تصوير لصيادين يصطادون الاسماك في عصر الدولة القديمة في مناظر من مقبرة مري رو كا في الأسرة السادسة فظهرت براعة الفنان المصري في رسم أدق تفاصيل السمك تحت الماء . وكذلك مصطبة الوزير كاجمني من الأسرة السادسة شرق مقبرة مري رو كا التي صورت صيد الأسماك وأفراس النهركذلك المعارك بين أفراس النهر والتماسيح , وقد مخر المصري عباب البحر منذ الدولة القديمة فيذكر حجر باليرمو أنه في عهد سنفرو أول ملوك الأسرة الرابعة عاد أسطول من أربعين سفينة محملة بالأخشاب من سوريا , كما أن هناك مناظر من عهد الملك ساحورع من الأسرة الخامسة لرحلات الأسطول المصري من و إلى آسيا وكذلك مناظر سفن على جدران الطريق الصاعد للملك وناس آخر ملوك الأسرة الخامسة في سقارة وكانت هناك رحلات شهيرة لاتنس في عهد الملكة حتشبسوت من الاسرة الثامنة عشر لبلاد بنت والتي سلكت الطريق البحري لتتم المعاملات التجارية مع تلك البلاد وبلغ المصريون القدماء من التقدم البحري أن ذكر هيرودوت أن الملك نخاو الثاني من الأسرة السادسة والعشرين قام أسطوله الذي تضمن بحارة من فينيقيا برحلة استغرقت ثلاث سنوات بدأت ، من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، وعادوا عن طريق جبل طارق. ففي بداية الرحلة كانت الشمس تشرق دائما من على اليسار، ثم أصبحت على اليمين .
وقد شغل العقل البشري على مدارالسنوات خلال الحضارت القديمة بعالم ماتحت الماء لينسج حوله الأساطير و أبرز مثال لذلك الأساطير اليونانية القديمة التي تناولت وحش مستنقع “ليرنا” المسمى هيدرا , الذي كان يهدد سكان منطقة “أرجوس” , وجنيات البحر التي تغوي البحارة , “وبوسيدون” إله البحار القابض على الشوكة.
ولم يقتصر مغامرات الانسان لعالم ماتحت الماء على صيد الأسماك والكائنات البحرية للغذاء , فكان ايضا مصدرا للحلي , فقد قال الله تعالى في سورة النحل : ” وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون “(14) , فكان المرجان على اختلاف ألوانه والذي برع القداماء في صنع الحلي منه وكذلك الأصداف , أما اللؤلؤ فقد نال مكانة عالية بين الأسر الحاكمة و الأغنياء. فاستخرج من البحر الأحمر منذ وقت طويل , وبعد ذلك من سواحل الهند والصين واليابان وأستراليا وجزر المحيط الهادي وفنزويلا وأمريكا الوسطى وأنهار أوروبا وأمريكا الشمالية , وقد اقيمت مزارع اللؤلؤ الصناعي في الماء المالح و برعت فيها اليابان خاصة في النصف الثاني للقرن العشرين , وايضا هناك مزارع في المياه العذية و تربى بداخل المحار لؤلؤة لاتنمو إلا بعد سنوات , ولكن أشهر اللؤلؤ المستخرج من المياه المالحة هو لؤلؤ الخليج العربي ويسمون استخراج اللؤلؤ هناك بالطواشة , وقد أشارت مخطوطة آشورية حوالي 2000 عام قبل الميلاد إلى لؤلؤ البحرين , وعرف استخراج اللؤلؤ في الخليج العربي وازدهر من قبل الاسلام بقرون , فخرج للوجود أشهر الحلي الهندية ومن بعدها الأوروبية المرصعة باللؤلؤ .
ودائما ماكانت الدقائق القليلة التي يقضيها الغواصون تحت الماء رحلة محفوفة بالمخاطر فكتم الأنفاس و ضغط الماء , كانت له مخاطره التي قد تؤدي إلى الوفاة , فداعب الخيال كاتبنا الفرنسي جول فيرن (1828 – 1905)م فألف رواية عشرين ألف فرسخ تحت الماء عن اختراع الإنسان لجهاز يشبه السفينة يغوص تحت الماء أو غواصة , و فيرن كاتب الخيال العلمي كانت فكرته نتيجة لمحاولات سابقة كثيرة منها غواصة صُممت في عام 1620 على يد الهولندى فون دريبل حيث صمم غواصة صغيرة لها 12 مجدافا غاصت في نهر التايمز على عمق 3.5 – 4.5 متر وسارت 15 ساعة . وايضا عام 1776 م قام الأمريكي دافيد بوشنيل ببناء غواصة صغيرة مصنوعة من البلوط بيضاوية الشكل لها ذراع تقوم بتشغيل محرك لولبي وأسماها السلحفاة استخدمت في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية . وكذلك غواصة هولند وقد أنزلت في ميناء إليزبيث بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام 1897 م وسارت فوق الماء بآلة تعمل بالجازولين وعندما تغوص تعمل بمحركات كهربائية تغذيها بطاريات في مجاميع وقد تم استبدالها لاحقا بآلة الديزل بسبب قابلية الجازولين للاشتعال.
ثم استخدمت الغواصات خلال الحرب العالمية الأولى على نطاق واسع للأغراض الحربية , وظلت تتطور حتى وصلنا إلى ماعليه الآن خاصة للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة و روسيا وبريطانيا .
وكان من أشكال الغواصات العلمية التي اخترعت ماقام به الأمريكي أوتس بارتون بتصميم كرة الأعماق، ثم قام بمصاحبة عالم التاريخ الطبيعي الأمريكي وليم بيب سنة 1930م بأول عملية غوص بها. وقام عالم الفيزياء السويسري أوجست بيكارد بتصميم أول غواصة للأعماق في سنة 1948م .
وتقدمت الغواصات عام1962 م على يد كوستو على سواحل فرنسا إلى أن وصلت لمحطات استكشاف تحت الماء وصلت لأعماق بداية من تسعة أمتار إلى 180م. منها مايتسع لشخص ومنها مايتسع لعدة أشخاص , مُلئت المقصورات داخل المباني بهواء التنفس المضغوط. ويمكن للغواصين أن يعيشوا هناك لأسابيع، وهم يغادرون المحطة يوميًا للاستكشاف أو العمل. ويتجنب الغواصون معاناة إزالة الضغط كل يوم بالبقاء تحت الماء.
وتستخدم الآن الغواصات لأغراض سياحية ليستمتع فيها الناس بمناظر الأعماق الخلابة دون أي مخاطرة على اختلاف أعمارهم . وقد ظهرت غواصات ذات تحكم آلي واستخدمت للبحث عن النفط أو استخراج الكنوز والسفن الغارقة أو للاكتشافات و الأغراض العلمية . حيث قد يشكل وجود بحارة في تلك الغواصات خطرا على حياتهم
أما الغوص تحت الماء بشكل فردي بدون الاحتماء بمركبة , فقد بدأ منذ أوائل التاريخ فمثلما كان صيادو اللؤلؤ يعتمدون على حبس الأنفاس وغلق الأنف بمشبك كان سكان جزيرة كاليمنوس اليونانية يغوصون لجمع الاسفنج ولكنهم كانوا يستخدمون أوزان تصل إلى 15 كجم لتسريع النزول وحبس الأنفاس لعمق 30 مترا ولمدة خمس دقائق , ومثلما كان للغوص أهمية تجارية , كان له أهمية حربية كالتسلل والوصول لسفن الأعداء أو لمدنهم المحصنة وهناك نقش آشوري يظهر فيه جنود آشوريين يعبرون النهر باستخدام عوامات منفوخة من جلد الماعز , وسجلت حالات للجنود الاغريق والرومان كانوا يستخدمون سيقان نباتات مجوفة للتنفس كقصبة للتنفس السطحي للتسلل للأعداء , و في حوالى عام 1300 قبل الميلاد استخدم الجنود الفرس نظارات غوص تحت الماء لها نوافذ مصنوعة من الطبقة الخارجية لعظم ظهر السلحفاة بعد صقلها جيدا.
ثم يضيف العبقري ليوناردو دافينشي القرن الخامس عشر لمسته لهذا المجال فيضع تصميما لاسطوانات الهواء للتنفس الإصطناعى تحت الماء، وأنواعا مختلفة من أنظمة الغوص كان بعضها متقدماً إلى درجة أنها أظهرت تصميما لجمع البول من الغطاس , ولكنه حذر من الجانب السيء لتلك الاختراعات باستخدامها في اغراق السفن .
وقد صمم الغواص الإنجليزي جون ليثبردج سنة 1715م بذلة غوص من الخشب والجلد , ثم تطورت إلى بدلة الغوص التي صممها الألماني أوغسطوس زيبي التي بدأ استخدامها عام 1837 م وكانت أساسا للبذلة التي نستعملها الآن وكان من ضمن تطورات بذلة الغطس البذلة التي اخترعها الأخوان كارماغنول في عام 1882 م وكان جهاز التنفس تحت الماء بوزن 380 كجم. مصنوعة من المعدن ومكونة من 22 مفصل متحرك و الخوذة بها حوالي 20 فتحة لتحسين الرؤية.
وبذل الغطس الآن تصنع من مادة النيوبرين وهي مادة مغطاة بمادة عازلة للحرارة ومضادة للطفو. و اخترعها الفيزيائي هيوك برندر، من جامعة كاليفورنيا 1952 م .
وهي تحفظ حرارة الجسم لأن الماء موصل قوي 20 إلى25 مرة ضعف الهواء وهناك نوع يستخدم في المياه الباردة يمنع دخول الماء للجسم وهي ايضا درع واقي من لسعات الكائنات البحرية مثل القناديل والمرجان الناري و غيرها . وكلما زادت سماكة البدلة زاد الطفو وزادت مقاومتها للماء . وهناك بدلة ذات القطعتين وجد أنها الأفضل لأنها لا يوجد فيها سحاب وتحتفظ بالحرارة مدة أطول حيث أن السحاب مهما كانت جودته سوف يدخل الماء .يجب أن تكون البدلة ملاصقة للجسم تماما ولا يكون فيها أي مناطق زيادة أو تكون ضيقة جدا لأن البذلة الضيقة خاصة عند الرقبة ، تعطل سريان الدم للمخ . واستخدم الغواصون ايضا الزعانف التي تسهل الحركة, وهناك ايضا القفازات التي تساعد الغواص في الامساك بالاسماك والصخور دون حدوث ضرر له , وكذلك هناك النظارات التي تسهل الرؤية والمصنوعة من الزجاج المقسى هو عبارة عن زجاج تتم معالجته حراريًا يسخن بدرجة حرارة عالية ثم يبرد – حيث أنه آمنً تمامًا للغواص و عندما يكسر يتحول إلى قطع صغيرة ذات حواف غير حادة لا يمكن أن تصيب أي شخص
ومن أهم الأجهزة التي يستعين بها الغواص الرئة المائية أو جهاز التنفس تحت الماء أو مانسميه مجازا أنابيب الأوكسجين , وعرف سنة 1943م واخترعه الفرنسيان ضابط البحرية جاك إيڤ كوستو، والمهندس إميل جاجنان .
وإذا كانت البدايات الأولى لبدل الغطس الحديثة كانت ببذلات أوزانها ثقيلة وتحتاج لياقة بدنية عالية وكانت شرفا لا يستطيع أن يناله أي جندي في البحرية , حتى أن البحرية الأمريكية كانت لا تفتح هذا الباب سوى للبيض , حتى أثبت جندي أمريكي هو كارل براشير أن مهارات الغوص لا تقتصر على البيض فقط فكان أول غطاس أمريكي من أصل أفريقي في البحرية الأمريكية وذلك عام 1954 م , برغم حملات الهجوم التي كانت ضده من رؤسائه و زملائه , وفي عام 1966م اصيب في احدى العمليات وهو ينتشل رؤوس نووية حربية فقدت في المحيط وبترت ساقه بعدها , ثم ثابربعدها واصبح أول غطاس بأرجل صناعية عام 1968م , وأول أمريكي من أصل أفريقي عام 1970 م رئيسا للغطاسين وسجلت السينما الأمريكية قصة حياته في فيلم ” رجال الشرف ” men of honor عام 2000م بطولة كيوبا جودينج جونيور و روبرت دي نيرو .
وللغوص أهمية في استخراج الغاز والبترول و مد الأنابيب تحت الماء وأعمال الصيانة البحرية , وايضا في بناء الجسور البحرية واصلاح الأنفاق تحت الماء و السدود , واصلاح السفن وانتشال حمولة السفن الغارقة والكشف عن الآثار الغارقة , ولا ننس جهود حرس الحدود و الانقاذ النهري في مجال البحث الجنائي في انتشال الجثث و الأدلة الجنائية و المتفجرات , جدير بالذكر أن من تدريبات رواد الفضاء الغوص تحت الماء حيث ان الحركة تحت الماء تقارب إلى حد ما الحركة في الفضاء عند انعدام الضغط .
وإذا ذكرنا الغوص للأغراض العلمية لابد من ذكر اسمين الأول :
جاك إيف كوستو (1910 ـ 1997 )م . المستكشف الفرنسي و عالم البيئة وصانع الأفلام الوثائقية والمصوّر والمؤلف و الذي كان ضابطا بحريّاً . و عضوا في أكاديمية اللغة الفرنسية. انتقل بين محيطات وبحار وأنهار وبحيرات العالم ليسجل مظاهر الحياة البحرية بها في أفلام وثائقية نال بها العديد من الجوائز و إن بدأ أفلامه عن إنقاذ السفن والغواصات الغارقة و إزالة الألغام البحرية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى والثانية وذلك عام 1943م .، و سنة 1950م أستأجر سفينة “كليبسو” لتكون رفيق رحلاته و بطلة فيلمه “العالم الصامت” الذي فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان 1956م , وهو مخترع وصديقه جاجنان أجهزة التنفس تحت الماء , وقد اخترع غواصات للأغراض العلمية بداية من عام 1962م أصبحت محطات للأبحاث تحت الماء , وقد أطلقت فرنسا على أحد شوارع مدينة سانت اندريه الرئيسية مسقط رأسه تكريما لمجهوداته العلمية والاستكشافية .
والثاني هو حامد جوهر أو الدكتور حامد عبد الفتاح جوهر (1907 – 1992) م , رائد علوم البحار المصري أو ملك البحر الأحمر صاحب البرنامج الشهير كل يوم اثنين الساعة الخامسة على القناة الثانية ” عالم البحار ” .
التحق دكتور جوهر بكلية الطب ثم تحول إلى كلية العلوم. و حصل على بكالوريوس العلوم مع مرتبة الشرف الأولى، فعين معيدا في قسم علوم الحيوان بالكلية.وقد انتقل جوهر بعد ذلك للعمل بمحطة الأحياء البحرية بالغردقة، وتابع البحث العلمي في كائنات البحرالأحمر،وحصل على درجة الدكتوراه .
تولى حامد جوهر إدارة محطة الأحياء البحرية في مدينة الغردقة منذ إنشائها ولمدة أربعين عاماً. و أنشأ متحفاً بحرياً يضم مجموعات من حيوانات البحر الأحمر ونباتاته، كما أنشأ مكتبة تضم أغلب المراجع الأساسية لدراسة البحر الأحمر. أنشأ معهد الأحياء المائية بعتاقة بالسويس، وأقام به متحفًا آخر لأحياء البحر الأحمر. وشغل عدة مناصب منها : مستشار للعلوم والتكنولوجيا بجامعة الدول العربية سنة 1970م, عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1973م.
و شارك في المعاجم العلمية العربية التي أصدرها مجمع اللغة العربية وأبرزها معجم البيولوجيا في علوم الأحياء والزراعة الذي استغرق اعداده 8 سنوات من عام 1976م وحتى عام 1984م.
كان مستشاراً للسكرتير العام للأمم المتحدة لتنظيم المؤتمر الدولي الأول لقانون البحار في جنيف عام 1958م . اختارته الوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 1959م رئيساً للجنة التخلص من النفايات النووية في أعماق البحار . كان عضواً باللجنة الاستشارية لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة , كان أول رئيس لجمعية علم الحيوان بجمهورية مصر العربية عند إنشائها سنة 1958م . وكان رئيس الجمعية المصرية لعلوم البحار , وزميل الأكاديمية المصرية للعلوم , وايضا نائب رئيس المجمع المصري للثقافة العلمية , وزميل أكاديمية علم الحيوان الدولية بالهند , وزميل الأكاديمية الدولية لعلوم المصايد بروما , وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم سنة 1974م .ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى سنة 1975م .
والغوص ومعرفة مايختبئ تحت الأعماق مغامرة لا يستطع القيام أي شخص وهي متعة للناظرين بلا شك , فإذا كنت طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ماذا ستفعل ؟ الأمور لم تعد كما في الماضي فقد أنشأت حدائق بأحواض زجاجية لعرض الأسماك أو مايسمى ” اكواريوم ” , وظهر ذلك في مصر حديقة الأسماك أو حديقة الجبلاية بحي الزمالك بالقاهرة ، أنشأها الخديوي إسماعيل في سنة 1867 م وقد ادارتها حديقة الحيوان بالجيزة منذ افتتاحها للجمهور رسميا في 21 نوفمبر 1902 م .تبلغ مساحتها نحو تسعة أفدنة ونصف الفدان.تتكون الحديقة من مدخل من فتحتين تشبه فتحة خياشيم السمك وخلفها منطقة البهو، وفي جانب الفتحتين يوجد زعنفتان جانبيتان خلفهما ممرات الحديقة الأربعة.أما الجبلاية من الداخل فقد روعي عند تصميها ان تكون على شكل ممرات أو تجاويف داخل شعاب مرجانية تقبع في باطن البحر ، لذلك سقف الممرات يبدو وكأنه واحد من بين تجاويف أخرى صنعتها الأمواج وهي تصاميم تعزف ألحاناً عند مرور الهواء بها تشبه إلى حد كبير حركة الماء وذلك من خلال حركة الهواء المندفع من المداخل الأربعة متنقلاً بين الكهوف , كما توجد خارج الجبلاية ممرات تفصل بين مسطحات خضراء تحتوي على أشجار نادرة جلبت خصيصاً من مدغشقر وأستراليا وتايلاند ، وفى الاماكن المظلمة من الممرات يتم تسليط النور الكهربائي بطريقة فنية متناغمة . و يوجد بها مغارات وممرات يسير فيها الزوار وتضم الحديقة 49 حوضاً من بينها 24 حوضا لأسماك الزينة من اسماك المياه العذبة و بانوراما لعرض الأسماك المحنطة، ويوجد بها أقسام أخرى تضم أنواعاً من السلاحف والزواحف البحرية التي تعيش في المستنقعات والأنهار كما يوجد في واجهة الحديقة حوض كبير يوجد به الأسماك المفترسة مثل سمك القرش وهناك أربع صوب لتفريخ السمك إلى جانب مفرخ رئيسى وصوبتين لمعالجة المياه . كما هناك اكواريوم بالأسكندرية أو مايسمى بمتحف الأحياء المائية وأنشأ عام 1930م بالقرب من قلعة قايتباي وهو تابع لوزارة البحث العلمي. وهناك جراند اكواريوم الغردقة وهو السابع على العالم من حيث مساحة أحواض المياه , وهو يحتوي على الأحواض الضخمة ونفق زجاجي طوله 24 مترا من خلاله يستطيع الشخص مشاهدة المخلوقات البحرية المختلفة .
وتنتشر متاحف الأحياء المائية حول العالم , وكل يوم تقدم دول العالم كل جديد وتستخدم احدث التقنيات العلمية في جعل الاكواريوم أحسن مايكون لجذب جميع أفراد الأسرة , ولجذب السائحين , وكمراكز لعلوم البحار , مثل اكواريوم مملكة المحيط في حديقة تشيميلونغ , أكواريوم المحيط الهادي في شنغهاي بالصين , أكواريوم دبي مول بالإمارات , اكواريوم سيدني باستراليا , أكواريوم جورجيا بالولايات المتحدة , اكواريوم أوشينوغرافيك في فالنسيا بإسبانيا .
و البعض يفضل أن يكون الاكواريوم داخل منازلهم ومنشآتهم الخاصة بداية من البللورات الزجاجية التي تعيش بها سمكة أو سمكتان وحتى الأحواض الكبيرة التي ينفق أصحابها الأموال الكثيرة على صيانتها و نظافتها و اطعام مابها وجلب كل ماهو نادر وجميل للعيش بها , و أصبحت لتلك الهواية مافيا لتهريب الأسماك النادرة و للصيد الجائر للكائنات البحرية المعرضة للانقراض والتي تحنط بغرض الزينة , وحتى الرخويات التي تعيش بداخل الأصداف و أشهرها أذن البحر , وكل تلك الكائنات كلما زادت رفاهية مقتنيها زاد الطلب عليها , لذلك الكثير من الحكومات أصدرت القوانين المنظمة أحيانا , والمحرمة أحيانا أخرى لصيدها .
وكان سيدنا سليمان عليه السلام , له قصر على البحر ممرد بالزجاج يشف عما تحته من ماء ومخلوقات الله , بناه له الجن المسخر بأمر الله , وذكر ذلك في قصة النبي وبلقيس ملكة سبأ التي شهدت بقدرة الله تعالى ونبوة سيدنا سليمان عليه السلام فور رؤية تلك المعجزة المعمارية , كما ذكر في سورة النمل ” قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ” الآية 44 . وقد شهدت الآونة الأخيرة بنايات سياحية على البحر ذات أرضيات من الزجاج تسمح للسائح برؤية البحر ومايحويه , و أشهر مثال على ذلك شاليهات جزر المالديف .
إما إذا كنت من هواة مشاهدة أسرار البحار ولاتريد أن تبرح مكانك فالقنوات الوثائقية الثقافية تزخر على مدار 24 ساعة , بأفضل الأفلام , مثل قنوات ناشيونال جيوجرافيك أبو ظبي , ناشيونال جيوجرافيك وايلد , ناشيونال جيوجرافيك الوثائقية , ديسكفري , وغيرها وهي تغطي أجمل مناطق الغوص في العالم وأخطرها بداية من البحرية مثل جزر جالاباجوس والحيد المرجاني الاسترالي العظيم ومناطق الغوص المصرية في البحر الأحمر وحتى النهرية مثل مياه الأمازون الخطرة وتحت المياه الجليدية في القطبين .
ولاشك أن تلك المغامرات شغلت عقل كتاب الأطفال فنجدها ظهرت مع قصة عروس البحر لهانز كريستيان أندرسن التي عولجت مرات كثيرة بالرسوم المتحركة , وظهرت الكثير منها حتى ظهر المسلسل الكارتوني الشهير سبونج بوب بكامل شخصياته التي تعيش تحت الماء , كما كانت الحياة تحت الماء مصدر خصب لخيال السينمائيين في كل العالم وظهر التصوير تحت الماء ليسجل الحياة البحرية ويمزجها في سير الأحداث مثل: سلسلة أفلام البحر الأزرق العميق ” deep blue sea ” , وسلسة أفلام “Jaws ” أو الفك المفترس , في قلب البحر “In the heart of the sea ” و قد حصدت تلك الأفلام الجوائز و تربعت على عرش شباك التذاكر . و إن كانت تلك الأفلام لها مردود فعل عكسي عدائي على كائنات البحار مثل القروش والحيتان التي في الحقيقة قد ضخم صناع الأفلام من خطرها بحسب رأي جمعيات حماية البيئة , وقد أصابت السينما المصرية صرعة التصوير تحت الماء فظهرت في التسعينات افلام مثل جحيم تحت الماء , جزيرة الشيطان . والمشاهد بصفة عامة يلاحظ تقدم تقنيات التصوير يوماً بعد يوم فالصورة أصبحت أكثر وضوحاً ونقلا لجمال الأعماق , وعولج الزجاج الذي كانت ترى عليه قطرات الماء بوضوح فيفصل المشاهد عن الأحداث التي قد تكون في ذورتها .
وسواء كنت غواصاً , سباحاً , سائحاً , مشاهداً , ستظل عاشقاً أو حتى محاطاً بجمال الأعماق , مرسوما أومطبوعا على أواني طعامك , ملابسك , شراشفك , أغطيتك , حوائطك , هاتفك المحمول , حاسبك الآلي , فذلك الجمال لايقاوم .
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏ و‏ماء‏‏‏

شاهد أيضاً

blank

“مذكرتا اعتقال بحق نتنياهو وغالانت .. بين الرمزية والاختبار الجاد للإرادة الدولية”

  سمير السعد في خطوة تعد سابقة في سياق الصراع الفلسطيني العربي الإسلامي _ الصهيوني …