متابعة – علاء حمدي
عقد قطاع شؤون الإنتاج الثقافى، برئاسة المخرج خالد جلال، ندوة ملتقى الهناجر الثقافى الشهرى بعنوان “نجيب محفوظ.. ميلاد يتجدد”، مساء أمس الخميس، بمركز الهناجر للفنون بساحة دار الأوبرا المصرية، بحضور الأديب يوسف القعيد، والناقد الدكتور حسين حموده، أستاذ الأدب بكلية الآداب جامعة القاهرة، والدكتور طارق منصور أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة عين شمس، وأدارت اللقاء الناقدة الدكتورة ناهد عبد الحميد، مدير ومؤسس الملتقى.
بدأ الملتقى بالسلام الوطني، أعقبه فقرة فنية لفرقة “كردان” الموسيقية بقيادة المايسترو على المنسى، بدأت بعزف قطعة موسيقية إهداءً لروح الأديب العالمى نجيب محفوظ، وهى موسيقى “100 سنة سينما” قدمها عازف الأورج عبد الرحمن أحمد، ثم قدمت الفرقة باقة من الأغنيات المنوعة، منها: “يا حبيبتى يا مصر” أداء صابرين ربيع، “كان الزمان وكان” غناء نوران سيد، “ع الحلوة والمرة” أداء معتصم أيمن، “الجوز الخيل” غناء المجموعة، “المسيح” قدمها الفنان على المنسى، كما شاركت عدة أصوات شابة من بينها: حبيبة ياسر، آيات زكريا.
أعقب ذلك قالت الناقدة الدكتورة ناهد عبد الحميد، مديرة ملتقى الهناجر الثقافى ومؤستسه: “موضوعنا فى هذا الملتقى من الموضوعات التى تأخرنا عن تناولها كثيرا، إلا أنها تحوز على مكانة عظيمة بملتقى الهناجر الثقافى، وهى تلك التى تدور حول السيرة الذاتية لأدباءنا وعلمائنا البارزين، والشخصية التى نحتفى بها اليوم، من الشخصيات التى نجد كل حرف من أحرف أسمائهم لها معنى ومغزى، ففى مثل هذا الشهر وتحديدا فى يوم الحادى عشر عام 1911، ولد أديبنا الكبير، أديب مصر العبقرى، عم الروائيين العرب، مندوبنا السامى فى كوكب نوبل، ملك الحرافيش نجيب محفوظ”.
وتابعت عبد الحميد: أن نجيب محفوظ فى حقيقة الأمر لم يكن مجرد أديب يكتب روايات ويحصد من خلالها جوائز، ولكنه كان الحارس مصر الأمين، كان رسامًا بالقلم، استطاع أن يرسم لنا ملامح وطن، فشعرنا معه بمصر كلها، شوارعها، حارتها، وضوضائها بالأسواق وصياح الباعة وصراخ الأطفال، والمقاهى وأحاديثها التى كان لها مذاق آخر عند نجيب محفوظ، وربما يصعب علينا جميعًا أن نتخيل أن مبدعًا فى حجم نجيب محفوظ، ظل موظفا حكوميا منضبطا حتى بلغ سن المعاش، ولابد أن هذا الأمر ساعده فى التقرب إلى طبيعة النفس البشرية بعمق، وأمده كذلك بمادة ثرية استطاع من خلالها أن يعبر عن سمات الحارة المصرية وهمومها، وصل عدد مؤلفاته إلى ما يقرب من خمسين مؤلفًا، كان أولها عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة، العائش فى الحقيقة، ثم مجموعته القصصية بعنوان: “همس الجنون”، ثم توالت أعماله وصولا إلى الثلاثية التى تُعد أشهرها، وبطبيعة الحال رواية “أولاد حارتنا”، التى أثارت جدلا كبيرا، وأُوقف نشرها، وكانت هذه الرواية سببا لطعنه فى الرابع عشر من أكتوبر عام 1988م، وكان هذا الحادث الغاشم بعد 36 عام من نشرها.
وأضافت عبد الحميد، أن أعمال نجيب محفوظ ألهمت مخرجين كثر، فتحول العديد منها لأفلام سينمائية، منها: “قصر الشوق، بين القصرين، زقاق المدق”، وترجمت بعض أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة، وحازت كذلك على اهتمام السينما العالمية، مثل الفيلم المكسيكى “حارة المعجزات” المأخوذ عن روايته “زقاق المدق”، ومنذ أن حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988م، وكان أول أديب مصرى وعربى يحقق هذا الإنجاز، ونتمنى أن يخلفه فى حصد هذه الجائزة العالمية؛ وحتى الآن لم يكرر إنجازه الكبير.
ومن جهته قال الناقد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب المقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن الأديب الكبير نجيب محفوظ، أنبل إنسان عرفته فى حياتى، ولا شك أن المقهى مثل له الكثير، فكان يمثل نافذة على العالم بالنسبة له، وكذلك متنفس ونافذة على الصحبة، وشملت تجربته كتابته عن العديد من المقاهى، مثل الفيشاوى وكذلك لديه رواية كاملة عن قُشتمر، وحظى المقهى فى أدبه بأبعاد كثيرة مثل الحارة، يمكنه أن يتسع للإنسانية كلها، بما فيه من تمثيل للفئات الاجتماعية المختلفة والتعدد، والحياة الخفية التى تظهر بعيدا عن التعامل الرسمى.
وأضاف حمودة، أنه كان يصاحب الأديب نجيب محفوظ ذات مرة يتجهان إلى أحد الفنادق بجوار مطار القاهرة، وبسبب الزحام تغير مسارهما مرورا بطريق الحسين، فقال له إن الحسين على يميننا، وبالرغم من ضعف بصره حينها، إلا إنه رفع رأسه مسرعا، ووجهها صوب الضوء المنبعث من مسجد الحسين، وخلفه مقهى الفيشاوى، وخان الخليلى، وظل يحرك رأسه ناظرا تجاه ضوء الحسين حتى بعد أن مرت سيارتهما، وكأنه يحن لعالمه الأول الذى ينتمى له ويحبه، ويريد أن يعود له من جديد.
ومن ناحيته قال الدكتور طارق منصور، أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة عين شمس، إن الكاتب له مساحة إبداع من حقه التحرك فيها كيفما يشاء، ودائما ما يستخدم الأدباء أساليب رمزية، وتلك الرمزية تكون قابلة للتأويل من شخص إلى آخر طبقا لثقافته وأفكاره وخبراته. وأكد منصور، محاولة اغتيال الأديب العالمى نجيب محفوظ البشعة، كانت فى واقع الأمر محاولة لاغتيال مصر بأكملها، كونه يُمثل أهم رمز مصرى.
ومن جهته قال الأديب يوسف القعيد، إن نجيب محفوظ أفاد الرواية العربية كثيرا جدا، بالتحديد حينما اتجه صوب الواقع المعاصر الذى نعيشه ويكتب روايات عنه، فإن رواياته التاريخية الثلاث مهمة جدا، أبرزت تركيبه الروائى، وقدرته على إدارة الحوار ورسم الشخصيات، وتصوير الواقع بشكل غير عادى.
وأضاف القعيد، أن الأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ هو مؤسس فن كتابة الرواية العربية، والقصة القصيرة أيضا، والقصة القصيرة القوية، وله أعمال مهمة جدا فى مختلف أنواع الكتابة الأدبية التى لم يكتبها أحد سواه، كما أشار إلى أنه يُعد أحد أصحاب الأسماء المركبة، واسمه بالكامل نجيب محفوظ إبراهيم عبد العزيز الباشا.
وفي ختام الندوة قدمت الدكتورة ناهد عبد الحميد، مدير ومؤسس ملتقى الهناجر الثقافي، الفنان التشكيلى الشاب عادل رأفت، الذى حرص على المشاركة فى الملتقى وقدم بورتريه للأديب العالمى نجيب محفوظ أهداه إلى روحه، وبدوره وعد الروائى يوسف القعيد الفنان بوضع لوحته تلك فى متحف نجيب محفوظ، وفى ذات الإطار طالبه بتقديم المزيد من الأعمال الفنية، التى تصور الأديب العالمى نجيب محفوظ بشخصه، وكذلك مختلف شخصيات التى زينت أعماله الأدبية الخالدة