بقلم د/ شيرين العدوي
نعم إنها السيدة الفريدة المهابة (مصر) التي ولدت النهار فمصرصاحبة النيل، وأنا أرى أنها إيزيس في تلك الترنيمة الجميلة التي أدتها باقتدارأميرة سليم السبرانو الرائعة – التي تعبت في مشوارها الفني لتكون واحدة من المُبرَّزين في الأوبرا المصرية،ولي معها وقفة قريبة لألقي الضوء على مشوارها وعلى والدتها الداعمة لها، فقد اقتربت منها دون أن تشعر ورأيت بنفسي حرصها الشديد على إنجاح أدق التفاصيل، بل حضرت لها عددا من حفلاتها في الأوبرا. كان اللحن الفريد لهشام نزيه وقيادة المايسترو نادر عباس يجري بنا كصوت النيل في حركة مياهه الساحرة وخريره المترامي في أرواحنا ونحن نستمع كأننا أمواجه في ذهابه وإيابه في ليل ساكن لا يتحدث فيه غيره. هكذا بهرنا العالم في توقيت اختير بعناية من راعي مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي رغم أن العمل يتم الإعداد له من فترة طويلة لكن عين الله سهرت معنا فظهر بهذا الشكل المعجز، مما جعل العالم يفغر فاهه ويحدق النظراندهاشا وتقديرا. لقد تلقيتُ التهاني والتبريكات والإعجاب من كل أنحاء العالم من رموز الفكر والثقافة إلى وقت كتابة هذا المقال حتى إن بعضهم أرسل لي الترنيمة مترجمة قائلا : “لقد أعدتها أكثر من ألف مرة وفي كل مرة أبكي وأنتشي عند مقطع الربابة” هذا المقطع الذي عزفه بحب وإعجاز أحمد منيب فأنطق الآلة الخرساء “الربابة ” كما يسمونها لأن بها وترين فقط بعزف غاية في الرقة والعذوبة.
لماذا كان هذا التوقيت مهما وملهما؟ أولا لأن العالم كله يعاني من جائحة كورونا وهو في شوق لمن يأخذ بيده للخروج من كابوس الموت الذي ينتشر في كل مكان ويذهب بالأحباء في ركابه، فكانت الاحتفالية حالة فرح ونشوة خففت من كآبة النفوس المتألمة. ثانيا: تدفق الحدث من أرجاء مصر كلها كأنه رسالة للجانب الأثيوبي المتعنت بدعم من دول أخري. تقول هذه الرسالة :نعم مصر هبة النيل لأنه شريانها النابض، لكن النيل أيضا هبة المصريين فلو وجد النيل دون المصريين ما قامت الحضارة. السر في المصريين وليس في الموارد الطبيعية ومصر بمفردها صانعة الحضارة. فلنتخيل مثلا أن هذا النيل العظيم الذي وهبه الله لنا ليس موجودا فكيف سنحصل على المياه؟! نستطع أن ننتج المياه من الهواء. كيف ذلك؟ كيف تعمل “المكيفات” التي نحتار في تصريف مياهها بعد التبريد؟ ألا تستطيع مصر أن تصنع آلاف المبردات التي تعمل بالطاقة الشمسية في الصحراء وتحول الهواء لماء وتزرع وتسقى؟! إنها مجرد فكرة فكرت فيها كثيرا لعلها تلقى صدى لدى علمائنا. لقد وصلت رسالة مصر قوية ناطقة بالكثير، ولعلها فرصة لأنادي بمشروع قومي طرحته من قبل؛ لماذا لا نترجم كل ما كتب على جدران معابدنا في كتيبات للسائحين بعدة لغات ليقرأ الجميع أين كنا وقت أن كان العالم يخطو خطواته الأولى وتتعثر أقدامه؟! لعل هذا الحدث العظيم يكون درسا للفن بالكف عن إنتاج مسلسلات وبرامج لا تمت لواقعنا الراقي بصلة بل تنخر كالسوس وتحاول تشويه مصر.
يظل الشعر شاهدا؛عندما كتبت قصيدة إيزيس أخرى سنة 89 لم أكن أتوقع أن أجدها أمامي تنطق في حفل نقل المومياوات المهيب.
تَتبَاعدُ الأنهارِ تُعلنُ موتةً
إيزيسُ أخري
“تَمُّوزُ” يأكلُ عِشرةَ الأيامِ
يشربُ نَخْبَ شِقْوَتِنا
ويَرحَلُ في المَدي
لدمِي فرائضُ صَبْوَتِي
وأًذانُ تَوحِيدي إذا ما اللَّحدُ وحدَنِي بموتي
هذي أنا
وليشهدِ التاريخُ أنِّي
قد أضعْتُ العمرَ
أبحثُ عنْكَ في الزمنِ الخطأ