بقلم الكاتبة والاعلامية المصرية: علياء الهواري
تُعَدُّ القضية الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وتشابكاً في التاريخ المعاصر، حيث لم تقتصر آثارها على المستوى السياسي وحده، بل امتدت عميقاً إلى الأدب والثقافة العربية. شكّلت فلسطين محوراً أساسياً ألهم الأدباء والشعراء العرب، الذين نقلوا للعالم آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني، وألقوا الضوء على تضحياته ونضاله من أجل استعادة حقوقه المسلوبة.
وإذ يتأثر الأدب العربي بقوة بواقع الصراع الفلسطيني، فقد أصبحت فلسطين رمزاً للصمود والأمل، وتحوّلت قصائد شعراء مثل محمود درويش وسميح القاسم إلى أصواتٍ تنادي بالحرية والعدالة، مما أثر بعمق في الوجدان العربي وعمّق من الإحساس الجماعي بالمسؤولية تجاه هذه القضية.
وفي الساحة السياسية، مثّلت فلسطين محوراً لتوحيد الصف العربي، وأثّرت في العديد من التحالفات الدولية، لتصبح رمزاً للمقاومة ومحوراً لصراع العدالة ضد الظلم. إنّ التداخل الأدبي والسياسي في القضية الفلسطينية خلق نسيجاً فريداً يعكس مدى ترابط الكلمة والسلاح في الدفاع عن حقوق الشعوب، وأظهر كيف يمكن للأدب أن يكون سلاحاً بحد ذاته في وجه الظلم والاستعمار.
تكمن أهمية إقامة الفعاليات الأدبية التي تتناول القضية الفلسطينية في عدة جوانب ثقافية وسياسية وإنسانية، فهي تعزز الوعي الشعبي بالقضية، وتعيد ترسيخها في وجدان الأجيال الجديدة، مما يضمن استمرار التفاعل معها بشكل فعّال ودائم. ومن خلال هذه الفعاليات، يتم إحياء التراث الأدبي الفلسطيني والعربي، الذي يوثّق معاناة الشعب الفلسطيني وأحلامه ونضاله عبر الشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، وغيرها من الفنون.
كما تسهم الفعاليات الأدبية في بناء جسور تواصل بين الأدباء والمثقفين العرب والدوليين، مما يفتح المجال أمام التفاعل الثقافي والفكري حول القضية الفلسطينية، ويزيد من قدرتها على الوصول إلى جماهير متنوعة حول العالم. هذا الدعم الأدبي يضيف بُعدًا إنسانيًا ويعطي صوتًا مختلفًا للشعب الفلسطيني، بحيث لا يقتصر طرح القضية في الإطار السياسي البحت، بل يمتد ليشمل التعاطف الإنساني والنضال الأدبي الذي يستدعي التعاطف والتضامن مع حقوق الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، تتيح الفعاليات الأدبية الفرصة لإنتاج أعمال جديدة واستكشاف زوايا مختلفة من التجربة الفلسطينية، مما يثري المكتبة العربية ويزيد من زخم القضية على المستويين المحلي والعالمي.
تلعب الأعمال الأدبية دوراً مهماً في توثيق جرائم الاحتلال الصهيوني ومعاناة الشعب الفلسطيني، حيث تتجاوز حدود الوثائق الرسمية والتقارير لتصل إلى وجدان القارئ وتُحفّزه على رؤية الجوانب الإنسانية العميقة للصراع. يمكن للأدب من خلال القصة، والشعر، والرواية، أن ينقل صوت الفلسطينيين وتجاربهم المؤلمة في ظل القمع والتهجير والممارسات الوحشية التي يتعرضون لها.
تستطيع الروايات والأشعار، مثلاً، أن تصف بدقة ما يواجهه الفلسطينيون من تدمير للمنازل، ومصادرة للأراضي، وحصار خانق، إضافة إلى الاعتقالات والتعذيب الذي يتعرض له الأسرى، مما يسهم في إبراز وحشية الاحتلال بصورة حيّة تُلامس القرّاء وتثير مشاعرهم وتعاطفهم. عبر الأدب، يمكن للكاتب أن يصور قصص العائلات التي فقدت منازلها وأرضها، وحياة الأطفال الذين نشأوا في المخيمات تحت ظروف صعبة، مما يُظهر الجانب الإنساني للنضال الفلسطيني وعمق تأثيره.
كما يمكن للأدب أن يسهم في توثيق التاريخ الشفوي الفلسطيني، حيث يروي قصص من عايشوا النكبة والنكسة والمجازر المتكررة، ويضع هذه الشهادات في قالب فني يبقى عالقاً في الذاكرة. هذا النوع من الأدب لا يوثق فقط الأحداث، بل يساهم في خلق إرث أدبي يحفظ هوية الشعب الفلسطيني ويواجه محاولات طمسها، ويؤكد على ارتباط الإنسان الفلسطيني بأرضه وحقه في العودة والحياة بكرامة.
تكتسب جائزة فلسطين العالمية للأدب، التي تُعقد في دورتها الثانية، أهمية كبيرة في سياق دعم ونصرة القضية الفلسطينية من خلال الأدب والفكر. تُعتبر هذه الجائزة منصة تتيح للأدباء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم المشاركة في التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وتسليط الضوء على معاناته ونضاله عبر وسائلهم الأدبية. كما تساهم هذه الفعالية في إثراء الأدب العربي والعالمي بأعمال جديدة تعكس واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتوثّق تجاربهم ومآسيهم، مما يخلق تراكماً ثقافياً وإنسانياً يوصل صوت القضية الفلسطينية إلى العالم بشكل أوسع.
وتشكّل هذه الجائزة أرضية خصبة لتحشيد الأقلام دعماً للقضية، إذ تدعو الأدباء والمبدعين إلى الانخراط بكتاباتهم في حركة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. كما تشجّع هذه الفعالية على إنتاج أعمال تُسهم في ترسيخ فلسطين في الذاكرة الأدبية كرمز للعدالة والحرية، مما يعزز من استمرارية التفاعل الأدبي والفني مع القضية. عبر الأدب، تتخذ المقاومة شكلاً فكرياً يُلهب الوجدان ويُحرّك الضمير الإنساني نحو دعم القضية، ويشكّل مواجهة ثقافية ضد محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية.
كذلك، تسهم هذه الفعالية في تفعيل دور الأدباء والكتاب كحملة رايات للتوعية والتضامن العالمي، مما يجعل القلم أداةً فعّالة في النضال ضد الظلم والاستعمار، ويضمن أن تبقى فلسطين حاضرة في الساحة الأدبية والفكرية العالمية.