بقلم الدكتور – قياتي عاشور
آن الأوان أن يكون لمصر مشروعها الواضح والكبير للتعليم، آن الأوان أن تستثمر مصر في تعليم أولادها بخطط واضحة وطويلة الأمد، بإصرار وتصميم لا يترك المدارس ولا المناهج ولا العملية التعليمية سوي بعد أن تحقق كل أهدافها الخاصة بالقضاء علي الأمية، وخلق أجيال واعية من الطلاب المصريين، وربط التعليم بسوق العمل، آن الأوان لأن يبدأ العمل علي سياسة واضحة ومحددة تضعها الدولة للعملية التعليمية، حتي لا نهدر وقت الوطن في كل هذه المعارك الدائرة حول المناهج التعليمية أو كل هذا القلق من حال الأبنية التعليمية من مدارس وجامعات وخلافه.
بينما يشكل التعليم الثانوي مفصلًا مهمًا في حياة الطلاب، إلا أن المشاهد يلاحظ أن جهود التطوير تنصرف إلى التعليم الثانوي العام دون التعليم الثانوي الفني، وتلك ثنائية قاتلة ومدمرة لمفهوم منظومة التعليم الثانوي التي تعاني العديد من المشكلات أبرزها: لا يزال التعليم الثانوي أحادي الوظائف، حيث إن الخيار الوحيد المتاح أمام خريجيه يقع ما بين مواصلة التعليم العالي والجامعي، لأنه تعليم لفظي لا يرتبط بأي نوع من التأهيل للعمل والإنتاج.
كما تعاني سياسة التطوير من غياب رؤية متكاملة واضحة للعملية التعليمة وأهدافها في سياق علاقة النظام التعليمي الثانوي بالظروف والمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، بالإضافة إلى أن البنية المعرفية والكتب الدراسية والمناهج التعليمية للتعليم الثانوي لا تعالج واقع الطلاب وظروف الحياة في المجتمع، ولا تتيح لهم فرصة الاستيعاب الكامل والفهم العقلي لهذا الواقع، ولا التصدي له ولا تفسيره بصورة علمية رشيدة، ثمة تجاهل مستمر لهذا الواقع وانفصال المدرسة عن قضايا المجتمع المعايشة.
لذلك يمكن أن نطرح بعض الخبرات الدولية التي من شأنها المساعدة في تجديد التعليم الثانوي تكون البداية من إصلاح التعليم الفني، ومن أبرز التجارب المهمة في هذا الشأن مشروع مبارك كول الذي بدأ تطبيقه في مصر منذ عام 1995، حيث تم إنشاء عدد من المدارس التي تطبق التعليم المزدوج القائم علي النموذج الألماني في التعليم، وبموجب هذا النظام يتم إشراك الشركات ومؤسسات القطاع الخاص في عملية التعليم والتدريب، حيث يقضي الطالب يومين فقط في المدرسة الفنية وأربعة أيام في المصنع أو الشركة وذلك بغية التدريب العملي، كما يحصل الطالب علي منحة مالية من صاحب العمل، وبذلك فهناك حاجة ماسة للتوسع في مثل هذا النوع من التعليم الفني.
الخبرة الثانية نموذج المدرسة الشاملة: حيث تشيع صيغة المدرسة الشاملة في عدة دول منها أمريكا الشمالية وآسيا وبعض الدول العربية والأفريقية، وتقدم مجموعة كبيرة ومتنوعة من المقررات الدراسية لمواجهة الاحتياجات المختلفة للتلاميذ، ومن فوائد هذه الصيغة القضاء على صور الفروق الاجتماعية الموجودة بين المدارس الفنية والنظرية، وبالتالي فهي تساعد على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، وأن وجود مدرسة واحدة لجميع الشباب يساعد على تفاهمهم، ويؤدي إلى التقارب فيما بينهم، ويحطم الفوارق الاجتماعية الموجودة.
الخبرة الثالثة: المدارس الثانوية التكنولوجية: حيث نشأت تلك المدارس تلبية لاحتياجات الصناعة كنوع منفرد من التعليم يقدم أفضل وسائل التدريب علي أحدث التكنولوجيا الحديثة، وتقبل هذه المدارس الحاصلين علي الشهادة الإعدادية، ومدة الدراسة بها خمس سنوات، وهناك مقرر متقدم لمدة عامين لمن يريد مواصلة الدراسة بهذا المجال والاحتفاظ بقدرته علي مواجهة زيادة التعقيد في التكنولوجيا، ويحصل بعدها الطالب علي درجة البكالوريوس، وقد نشأ هذا الاتجاه أولا في اليابان عام 1950 تحت عنوان “كليات التكنولوجيا” ثم تبنته بعد ذلك إنجلترا وويلز عام 1986 تحت عنوان “كليات المدن التكنولوجية”.
أما الخبرة الرابعة والأخيرة: التعليم البيئي: يشير هذا النمط من التعليم إلى ضرورة ربط التعليم خاصة الثانوي منه بالبيئة المحيطة به، وذلك من خلال العديد من الطرق منها على سبيل المثال عمل تطبيقات بعد كل وحدة تبين كيفية الاستفادة من هذه الوحدة في البيئة المحيطة بنا، ومنها أيضا عمل مشروع متصل بالمنهج يوظف لخدمة البيئة، تطبق فيه المعارف التي تمت دراستها داخل البيئة المحيطة بالمدرسة.