اخبار عاجلة

ديليسبس: الأسطورة الكاذبة للكاتب والمؤرخ الكبير محمد الشافعي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

ديليسبس: الأسطورة الكاذبة للكاتب والمؤرخ الكبير محمد الشافعي

بقلم أ.د. طارق منصور
في كتابه الممتع بعنوان “ديليسبس: الأسطورة الكاذبة” والذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، عالج الكاتب الصحفي والمؤرخ الأستاذ محمد الشافعي بمهارة قضية أثارت جدلاً واسعًا خلال الشهور الماضية من خلال الصحف وعدد من البرامج التليفزيونية والندوات التاريخية والثقافية حتى أصبحت القضية مثار جدل كبير. فقد نادى عدد من المفكرين والكتاب المصريين في الآونة الأخيرة بضرورة عدم عودة تمثال المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، الذي أشرف على مشروع حفر قناة السويس، إلى قاعدته ثانية عند مدخل بوغاز بورسعيد، وعلى رأس هؤلاء يأتي اللواء أ.ح. سمير فرج، والكاتب الصحفي أ. محمد الشافعي، وكاتب هذه السطور

blank

. بينما طالب آخرون -لاعتبارات واهية خلت من نخوة الوطنية بعودة التمثال إلى قاعدته ثانية؛ وساق كل طرف من الطرفين حججًا ليدعم بها رؤيته الخاصة. والحجج الواهية التي ساقها المؤيدون لعودة تمثال ديليسبس لقاعدته، من وجهة نظرهم، انحصرت في:
·     أن ديليسبس هو صاحب المشروع ومن حقه أدبيا أن يكون هناك ما يخلد ذكراه من باب التكريم.
·     أن أجدادنا هم من أخذوا قرارًا بذلك وعلينا أن نحترم قراراتهم، ونعيد التمثال إلى قاعدته.
·     أن التمثال كان قائمًا حتى عام 56، حين أنزله شعب بورسعيد عن قاعدته عقب العدوان الثلاثي.
والمعروف أن أصحاب الفكرة الأصلية لتوصيل البحرين الأحمر بالمتوسط هم المصريون القدماء وليس ديليسبس، وهذا مثبت تاريخيًا؛ وجاء العرب بعدهم وطرحوا ذات الفكرة، لكنهم خشوا من تفاوت منسوب المياه في كلا البحرين، فأعادوا شق قناة تراجان، وعرفت باسم خليج أمير المؤمنين، لتصل الفرع الشرقي للنيل بمنطقة بحيرات القُلزم (البحيرات المرة حاليًا).
وقد كشف الكاتب والمؤرخ محمد الشافعي في كتابه طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين ديليسبس بالخديوي سعيد، والتي بناءً عليها جاء إلى مصر حاملاً فكرة المصريين القدماء، فمنحه الخديوي امتياز حفر وتشغيل قناة السويس لمدة 99 عامًا بدءًا من عام 1859م، ليتخلص من فقره بتأسيس شركة مساهمة عالمية لحفر وإدارة القناة.
وبين المؤلف أيضًا كيف أن الخديوي إسماعيل واتته فرصة ذهبية لينفذ مشروعا نهضويًا لمصر، غير أن ديليسبس استطاع بخبثه أيضًا أن يغرقه في مزيد من الديون من أجل الانتهاء من مشروع حفر قناة السويس وتدشينه في حفل أسطوري. وكانت النتيجة أن الخديوي إسماعيل غرق في مزيد من الديون وفشل مشروعه النهضوي وحوكم في نهاية الأمر ونفي خارج البلاد، بعد أن خسر عرشه على طاولة المراهنين والمقامرين.
وقد أوضح المؤرخ محمد الشافعي أن أكثر من مليون نفس من الفلاحين شقوا قناة السويس قسرا، حيث سيقُوا سيرًا على الأقدام من القرى والنجوع لحفر القناة بالمسحاة والكوريك والمقطف، وكان عملهم سخرة بلا أجر، في ظروف معيشية بائسة، تخلو من الآدمية، حتى دفنت جثث أكثر من مائة وعشرين ألفًا منهم في قاع القناة وضفتيها، دون رحمة، ودون الوفاء بمستحقاتهم لأسرهم المكلومة.
وفي أحد فصول الكتاب يستعرض المؤرخ محمد الشافعي قائمة القروض التي حصل عليها الخديوي إسماعيل، وكيف لعب ديليسبس دورًا فيها بدءًا من عام 1864 وحتى عام 1873 حيث كان هذا هو عام القرض المشؤوم والذي بلغ 32 مليون جنيه، لم يدخل الخزانة فعليًا منها سوى 20 مليون و 740 ألف جنيه إنجليزي؛ وأصبحت مصر عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المقرضين، مما جعلهم يسعون إلى كافة الحلول للحصول على أموالهم، فزاد الأمر الطين بلة، ودفعت مصر ثمن رعونة إسماعيل، إضافة إلى أن السواد الأعظم من أبنائها كانوا يعانون من الفقر والجهل والمرض، ناهيك عن سيطرة الباشوات والبكوات ورجال الحاشية على مقدرات البلاد، وأصبح المستعمر الإنجليزي بدءًا من تلك اللحظة هو المتحكم في أمر مصر.
ففي 18 نوفمبر عام 1876م تم إصدار قرار يقضي بفرض الرقابة الأجنبية على ماليات مصر، حيث أصبح هناك مندوب إنجليزي مراقب للإيرادات، ومندوب فرنسي مراقب للمصروفات، مما أوقع الخديوي إسماعيل بين المطرقة والسندان لينتهي الأمر بعزله ونفيه بقرار من الأستانة.
وقد بين المؤلف الدور الحقير الذي لعبه ديليسبس في إقناع أحمد عرابي بعدم المضي قدمًا لإغلاق قناة السويس في مواجهة البوارج البريطانية وأنه لن يسمح لها بدخولها القناة لمقاومة عرابي. وفعل ما فعله، ودفع عرابي وجيشه ثمنًا غاليًا بسبب ثقته فيما قاله له ديليسبس، الذي حصَّل رسوم عبور من السفن الحربية البريطانية وسمح لها بدخول القناة ومنها النزول إلى البر لقتال الجيش المصري بقيادة عرابي، والذي سبق له أن صدها ومنعها من الدخول إلى مصر عن طريق الإسكندرية.
وقد استمر الوضع على ما هو عليه، من تحكم المستعمر الغربي في قناتنا وتشغيلها وإدارتها بمعرفته وتحصيل أموالها لحسابه، دون عائد يذكر للمصريين الذي دفعوا ثمنًا غاليًا فيها. إلى أن جاء قرار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حين أعلن تأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية، ليضرب الغرب الأوروبي ضربة موجعة على أثر رفض الولايات المتحدة وحلفائها والبنك الدولي تمويل مشروع السد العالي في 19-20 يوليو 1956. وهنا يبين الشافعي أن قرار التأميم جاء تلبية لاحتياجات مصر المرحلية للزود عنها وعن كرامتها وسد احتياجاتها من العملة الصعبة لاستكمال المشروعات التنموية التي جاءت بها الثورة لإصلاح الميزان الاجتماعي والاقتصادي لمصر بعد رحيل شمس الملكية عن أراضيها.
جدير بالذكر أن قرار التأميم الذي أعلنه الرئيس عبد الناصر جاء في توقيت غاية في الذكاء، حيث انتظر حتى أغلقت بورصة باريس أبوابها وأعلن القرار، حتى لا ترتفع أسهم شركة قناة السويس عالميًا، مما يرهق مصر في تعويض المساهمين، حيث نص قرار التأميم على تعويض مصر للمساهمين في شركة قناة السويس. وتتجلى عبقرية القرار في آلية تنفيذه وعدم الإفصاح عنه مسبقًا، حتى لا تتسرب أخباره إلى الدول العظمى آنذاك فتتكتل في وجهه وتحول دون تنفيذه.
وفي نهاية المقال تحية واجبة لمؤلف الكتاب محمد الشافعي على الجهد الذي بذله من أجل إحقاق الحق، بحرفية ونزاهة وحيادية؛ وتحية واجبة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على قراره الوطني بإيداع تمثال ديليسبس في المتحف وليس على قاعدته الأولى.
*  كاتب ومؤرخ
 
 

شاهد أيضاً

blank

رئيس الوزراء يشهد احتفالا ببدء الإنتاج والتشغيل بشركة “النصر للسيارات” .. وتسليم أول دفعة من أتوبيسات “نصر سكاي” إلى شركات وزارة النقل

    كتب: ناصر عبد الحفيظ   “النصر” توقع عقد تأسيس شركة لتصنيع بطاريات و”ميني …