د. حسين الأنصاري يكتب :
اجيال الثقافة الثالثة وعولمة الهوية
كفاءات مبدعة عابرة للحدود
في خضم المتغيرات المتلاحقة. الذي يشهدها عصرنا في ظل معطيات العولمة. وما خلفته من تحولات تقنية واتصالية وتنقل مستمر ومتزايد للملايين من الناس الذين هجروا بلدانهم بسبب الحروب والأزمات والأوضاع الاقتصادية والسياسية فانتقلوا لبلدان جديدة
تبلور هذا المصطلح (-third culture generation) اثر هذه الهجرات القسرية التي بدأت نتيجة الظروف السابقة مما جعل الكثير من الأطفال يعيشون حياتهم خارج بلدانهم الأصلية ويواجهون ثقافة ثانية تختلف تماما عن ثقافة والديهم وهنا تبدأ حالة جديدة يكون فيها الشخص منقسم على ذاته بين ما يتلقاه من الوالدين وما يحملوه من ارث ثقافي ( قيم وعقائد وتقاليد واخلاق ) متجذرة ومحمولة من وطنهم الاصل وبين ثقافة مجتمع جديد ينبغي عليهم ان يتفاعلوا معها ويندمجوا فيها. بكل التفاصيل ونتيجة العيش في ظل ثقافتين مضافا اليها التجربة الشخصية سينتج عنها ثقافة ثالثة وهي ما نقصدها هنا حيث يعاني
الكثير من الأبناء نتيجة هذا الانتقال عددا من المشاكل فبين ان ينتموا لثقافة آبائهم وبين ان يندمجوا مع الثقافة الحالية وما يفرضهه عليهم واقع الحال بما يجعلهم في مأزق بل في حالة من الانفصام
نعم، انه الانفصام الثقافي الذي يمكن أن يؤدي إلى صراع داخلي بين الانتماء لثقافة الآباء ورغبة في الاندماج مع الثقافة الجديدة وما يمليه الواقع ، وأثناء ذلك يُتعرِّض الأفراد لمشاكل عديدة منها اجتماعية و ثقافية ونفسية وأخرى تتعلق بالهوية والانتماء ويزداد حجم المعاناة. مقابل وجود سمات من العنصرية والكراهية واحيانا استخدام العنف من قبل بعض المواطنين ضد الاخر القادم ( المهاجر او اللاجىء اليهم ) وقد تصاعدت موجة الكراهية بشكل واضح في الاونة الأخيرة وتحديدا من قبل بعض الأحزاب اليمينية التي اخذت تعمل على تحريض ابناء البلد الاصل المستضيف ضد المهاجرين اليه تحت حجج ان معظم المهاجرين عاطلين عن العمل. ويستحوذون على المساعدات التي يقوم العاملون في الدولة بدفعها لهم او ان المهاجرين يستحوذون على الفرص المتاحة وهكذا توسع نفوذ هذه الأحزاب في السنوات الاخيرة بل زاد كرهها للأجانب ومقابل هذه الإشكالية. نجد ان الكثير من ابناء الثقافة الثالثة قد تجاوزوا تلك المصاعب واثبتوا للآخر انهم برغم اصولهم الأجنبية لكنهم استطاعوا ان يندمجوا في المجتمع الجديد ويستوعبوا ثقافته وقوانينه ويتفوقوا في دراستهم او عملهم. ويقدموا إنجازات مميزة تضيف وتغني الحالة التنموية للبلد مما جعل البعض يرتقي لمواقع مهمة او يعمل في مهن أساسية وبارزة وهذا ما بتنا نلمسه في كثير من. التخصصات الطبية والهندسية والقانونية والاقتصادية والفنية والرياضية وغيرها ،
ان ابناء الثقافة الثالثة اختبرتهم تحديات ابتدأت من تعريف الوطن وحتى أزمة الهوية وانعدام الاستقرار والترحال ومواجهة أساليب الكراهية والعنصرية والعنف ، ورغم. ذلك واجهوا كل ذلك بشجاعة واصرار واثبتوا ذاتهم وحققوا طموحهم واظهروا مهاراتهم وجسدوا انجازاتهم الكبيرة التي نتمنى ان تستفيد منها بلدانهم الأصل ولا تقطع الصلة بهولاء الأجيال الذين نقلتهم الظروف وجعلتهم يبدعون خارج اوطانهم ويصبحوا كفاءات مميزة وعناوين عابرة للحدود