اخبار عاجلة

غارات الفايكنج على بلاد الاسلام

بقلم – مروة الحمامصى
مثلما شهد القرن التاسع الميلادي نشاطاً ملحوظاً لشعوب الشمال الاسكندنافية في غزو غرب أوروبا المسيحي , والتوسع بعمليات القرصنة والسلب والنهب , طمعت تلك الشعوب في مد هجومها إلى الجنوب ونقصد بهذا الشاطيء الاندلسي والمغربي . وكانت القبائل التي كانت تسكن المنطقة التي عرفت فيما بعد بالدانمارك , هي تحديداً التي قامت بالهجمات , وقد شكلوا خطراً لم يعرفه المسلمون من قبل , وقد ذكروا في المراجع العربية باسم “الاردامنيين ” و ” المجوس” – ظن العرب أنهم كانوا يعبدون النار لإشعالهم النار في كل مكان يذهبون إليه , وكما أنهم كانوا يحرقون جثث زعمائهم بسفنهم – وأسموهم الفايكنج أو ساكن الخليج لكثرة الخلجان في بلادهم . وكان أول هجوم لهم في غرة ذي الحجة 229هجرية – 20أغسطس 844 ميلادية , وكان ذلك أمام سواحل لشبونة , واستمر الاشتباك بينهم وبين أهل المدينة ثلاثة عشر يوماً ثم عادوا لسفنهم وكان أسطولهم مكون من أربع وخمسون مركباً ومثلها من القوارب ,
ثم تنقلوا من بين الموانئ الأندلسية مشعلين النار والخراب في كل مكان ينتقلون إليه, ثم يفرون لسفنهم وينتقلون للميناء الذي يليه , حتى وصلوا لأشبيليه التي انسحب أهلها فعاث فيها الفايكنج فساداً سبعة أيام ثم عادوا لمراكبهم , ثم وصلت الامدادات التي أمر بها الأمير عبد الرحمن الأوسط هو “عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ” وكان على رأسها كبار قادته وانتصروا عليهم ففروا كعادتهم لسفنهم , ثم عززت الامدادات بقائد الدولة “محمد بن سعيد بن رستم ” الذي دخل اشبيلية فعاد إليه الفايكنج واشتبكوا معه مما اضطره للانسحاب , وعاد لمهاجمتهم فانسحبوا لطيطلة , واستمات طرفي المعركة في القتال , حتى أن محمد بن سعيد نصب المجانيق , وارسل ايضا الأمير عبد الرحمن الأوسط امدادات جديدة بقيادة قائده نصر الفتى ومالت الكفة للفايكنج ولم يهزموا إلا بعد أن حال المسلمون بينهم وبين سفنهم -وسيلة هربهم المعهودة- وأحرقوها وقاتلوهم وانتصروا عليهم . ومن بقي منهم تسللوا للنهر لمنطقة الشرف حيث سبوا عددا من المسلمين ثم عادوا إلى قبطيل فنزل عليهم المسلمون من جانبي النهر فاضطر الفايكنج للهروب إلى شذونة , فتتبعهم المسلمون , وظلوا من مدينة لمدينة يتعقبوهم حتى عادوا إلى بلادهم .
وكانت تلك المعارك البحرية البرية ناقوس خطر لمسلمي الأندلس علامة على طمع الفايكنج في خيرات بلادهم , فاتخذ الأمير عبد الرحمن الأوسط احتياطات لمواجهة الخطر الاسكندنافي , فأحاط أشبيلية بسور جديد , وأمر ببناء داراً لصناعة السفن فيها وزودها بالبحارة المدربين , وانشأت الرباطات على طول الساحل الغربي للأندلس على المحيط الاطلنطي . وبعد خروج الفايكنج من بلاد الاندلس تبادل الأمير عبدالرحمن الأوسط مع ملكهم “هوريك” السفارات كنوع من أنواع الهدنة وذلك بداية من عام 230هجرية – 845 ميلادية , ولكن بعد وفاة عبد الرحمن الأوسط عام 238هجرية – 852ميلادية ثم وفاة “هوريك” عام 239هجرية – 854ميلادية , توقع الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط أن ينكث الفايكنج الهدنة , وقد كان ماتوقعه حيث جمع الفايكنج قواهم طمعاً في العودة من جديد , وكان ذلك في سنة 245هجرية -859ميلادية أي بعد خمس عشر عاماً على الهجوم الأول . واستعد الفايكنج بقوة مقدارها اثنين وستين مركباً , تقدمت منهم مركبان فواجهتها مراكب المسلمون بالقرب من باجة وانتصرت عليهما وغنمت مافيهما ,
واتجهت بقية المراكب إلى الجنوب فوصلت لمصب نهر الوادي الكبير ثم نزلت الجزيرة الخضراء ودخلوا المدينة وخربوها وأحرقوا مسجدها الجامع . ولما وجد الفايكنج مقاومة شديدة من مسلمي الأندلس , عبروا إلى العدوة المغربية , وعاثوا في أرياف المغرب فساداً , ثم دخلوا مدينة “نكور ” على البحر المتوسط شرقي مدينة طنجة وسلبوا ونهبوا وسبوا كثير من أهلها . ثم عاد الفايكنج للإغارة على السواحل الشرقية للأندلس , وكان ذلك مفاجأة لأهل الأندلس فنهبوا إقليم “تدمير ” ثم عادوا لسفنهم واتجهوا شمالا إلى السواحل الجنوبية لفرنسا , وقضوا هناك الشتاء , وكانت تلك هدنة لهم بعد أن فقدوا أربعين مركباً , ولما أتى الصيف واستعادوا نشاطهم أغاروا على السواحل الشرقية للأندلس وجزر البليار , وكانت القوات البحرية المسلمة قد جاءت من الشاطئ الغربي للأندلس بقيادة “سبش بن كشوح ” و “خشخاش البحري ” فحاربوهم عند شذونة وكان النصر للمسلمين ففر الفايكنج شمالا إلى مدينة “بنبلونة ” خارج الأندلس وأسروا حاكمها المسيحي “جارسيا بن ونقة ” فافتدى نفسه بسبعين ألف دينار ارتهنوا في بعضها أولاده وخلوا عنه , وقد أسروا كذلك عدداً من قادة المسلمين استطاع بعضهم أن يفدي نفسه .0 ولم تكون تلك النهاية فقد أغاروا عام 247هجرية – 861ميلادية , عطبت لهم في تلك الغارة أربعة عشر مركباً بالقرب من الجزيرة الخضراء وفرت باقي السفن إلى بلادهم .
وظلت عمليات السلب والنهب والفرار مستمرة لاتتوقف وتذكر لنا المصادر أنهم عاودوا في عصر الخليفة المستنصر في غاراتهم في أول رجب 355هجرية – يونيو 966ميلادية و أنهم هاجموا في ثمانية وعشرين مركباً منطقة “قصر أبي دانس” وخربوها ونهبوها ثم أشبونة التي فعلوا بها نفس الشيء ولكن المسملمين حاربوهم وانتصروا عليهم وعندما فر الفايكنج بسفنهم خرج أسطول أشبيليه من نهر الوادي الكبير بقيادة “عبد الرحمن بن رماحس ” يتبعهم فدمر معظم سفنهم عند مصب وادي شلب وأنقذ أسرى المسلمين منهم . ولم ييأس الفايكنج وعادوا في أوائل رمضان سنة 360 هجرية – يونيو 971ميلادية فحشد لهم الأسطول بقيادة ابن رماحس وترأس القوات البرية والبحرية القائد غالب الناصري , ولما رأى الفايكنج الحشد الاسلامي فروا بسفنهم لديارهم. ويبدو أن الفايكنج خفت غاراتهم على الاندلس والمغرب بعد ذلك لتغير حالهم من القرصنة والسلب والنهب إلى الاستقرار خاصة بعد دخولهم المسيحية ولمحاولتهم في حكم أجزاء من غرب أوروبا .

شاهد أيضاً

“المستشار بين دور البناء ومعول الهدم”

  سمير السعد من المؤكد أن وجود المستشارين يُعدّ ضرورة حتمية في منظومة اتخاذ القرار …