بقلم – مروة الحمامصى
هم سكان شمال أوروبا أو مايسمى شبه جزيرة “اسكندنافيا” وبحر البلطيق , عاشوا في فقر وتأخر في النواحي الحضارية وامتهنوا الزراعة وصيد الأسماك . أخذوا الحروف اليونانية ليسجلوا بها نصوص السحر التي كانت من طقوسهم الدينية الوثنية , وكانوا بحارة بارعين ففقر مواردهم دفعهم للمجازفة وركوب البحر , وقد عثر على سفنهم في المستنقعات الدانمركية , والتي تميزت بطولها وضيقها واستعمل فيها المجاديف أو الصاري لتكون مهيئة للرسو في البحار أو الانهار . وهم شعوب “أنجلو سكسونية” , وقد اسمتهم باقي الشعوب الأنجلو سكسونية “الدانيون “Danes تمييزاً عنهم , وكذلك اسموهم “الشعوب الشمالية ” أو Northmen . وقد انقسموا قسمين : قسم اتجه شرقاً متجهاً من السويد إلى نهر الفولجا وبحر قزيون وامتهنوا التجارة في تلك المناطق بل واستقروا واسسوا مستعمرات تجارية , فكانوا طبقة غنية سيطرت على سكان البلاد في تلك الجهات وجنحوا للعيشة المتحضرة وتأثروا بالحضارة البيزنطية , ووصلوا للقسطنينية العاصمة وكان منهم حرس امبراطور بيزنطة . أما القسم الثاني الغربي فكان من الدانيين والنرويجيين وعرفوا باسم “فايكنج” أو Viking وقد اتجهوا لانجلترا وفرنسا و جزيرتي ايسلندا وجرينلاند و أسسوا محطات لهم هناك . ومع نهاية القرن الثامن الميلادي استطاعوا ادخال تعديلات على سفنهم ليخرجوا للمحيط الواسع وقد شهد هذا القرن تحسن في الأحوال المناخية فحملوا أسلحتهم التي صنعوها من الحديد ممتهنين مهنة القرصنة بعد أن ضاقت أرضهم بمواردها المحدودة ولم تف بحاجة السكان الذين كانوا في ازدياد . وقد خدمتهم الظروف حيث قضى الفرنجة – قبائل سكنت ألمانيا وشمال فرنسا – على قوة الفريزيين – قبيلة جرمانية سكنت ساحل بحر الشمال في هولندا وألمانيا – وكانوا سيشكلون عائقاً أمام تقدمهم . وقد سجل التاريخ أول هجوم لهم على دير بجزيرة “لينديسفارن” أو الجزيرة المقدسة , وهي جزيرة صغيرة على بعد خمسة كيلو مترات من ساحل نورثمبرلاند الانجليزي , وبعد نجاح الهجوم استساغ غزاة الشمال الأمر فكانوا يشكلون جماعات صغيرة تنزل للقرى للسلب والنهب والحرق والقتل ثم تفر بسفنهم قبل أن يتخذ السكان أي وضع للدفاع وقد ظهر من الملوك الشماليين ماقاد تلك الهجمات مثل الملك “هارولد الأشقر ” فاتجهوا إلى جزر شتلاند وأوركني .
إلا أن الأمر تغير فمنذ النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي , كان الشماليين يأتون بإعداد أكبر بهدف الاستقرار , لمدة أطول فشهد شتاء عام 851م , على استقرار الشماليين على سواحل جنوب شرق انجلترا . كما اقاموا نقاط حصينة في شتلاند وأوركني لتسجيل عمليات خاطفة على قرى أيرلندا ونهبها والتي دخلوها في عام 868م , ثم استقروا في ايسلندا منذ عام 870م , ثم اتجهوا بعد ذلك للاستقرار ببعض الأماكن في جرينلاند. وساعدهم في التجول بحرية موت امبراطور أوروبي قوي كانت له سيطرة على أوروبا هو “شارلمان ” . وقد أعجبهم الحال في انجلترا فطمعوا فيما هو أكبر , فقادهم ملكهم “هنجوار “لمهاجمة ممالك انجلترا ونهب ثرواتها , ولم تصمد أمام الهجوم سوى مملكة “وسكس” بقيادة الملك “ألفريد بن أثيلوف” (871-899)م , والتي كانت المعارك بينه وبين الشماليين سجال , ولجأ “ألفريد ” لخطة ذكية بدأت بعقد هدنة معهم عام 872م لأربع سنوات , ليعد فيها جيشه الاعداد الكافي, وكان الشماليين بدورهم مشغولين بغزو مملكة “مرسيا ” , فوصلت الأخبار للشماليين الذين خرقوا المعاهدة وقرروا الهجوم سنة 878م , فكان ذلك مفاجأة صادمة لألفريد هزم فيها واضطر للفرار ومعه فلول جيشه وخدمته الظروف عندما أعاق تقدم الشماليين المناطق الموحلة في فصل الشتاء , وفطن ألفريد أن القوة وحدها لاتكفِ بل يحتاجها استخدام نفس سلاح الشماليين بتجهيز اعداد كبيرة من القوارب السريعة ذات المجاديف الكثيرة فاشتبك معهم عام 879م وانتصر عليهم , وقد اضطر زعيمهم “جوتروم” لعقد صلح “ودمور” عام 886م , وكان من شروط الصلح اعتناق الشماليين للمسيحية , ووضع حداً لنفوذ الشماليين في انجلترا فكانت نفوذهم شرق الطريق الروماني أو “والتنج ” ومناطق نفوذ ألفريد غربه .
غير أن الحرب عادت بعد تسع سنوات عام 892م , انتصر عليهم ملك وسكس و توغل داخل مناطق نفوذهم في انجلترا وقد عادت مدينة “لندن” لحكم الانجليز . ووحدت بذلك جنوب غرب انجلترا وكان ذلك تمهيدا لوحدة انجلترا ذات الممالك المتعددة . وجعلت ألفريد يبني القلاع والحصون ذات الحاميات العسكرية حول المدن الكبرى , واهتم بالاسطول الذي استعان فيه بأصحاب الخبرة من الفريزيان , واعاد ترتيب الجيش فقسمه لثلاثة أقسام تستحق الخدمة لكل قسم لمدة شهر ثم يعود لعمله في الزراعة , حتى لايتأثر اقتصاد المملكة , وإذا كان ألفريد لمس من اعدائه الدانيين التخلف في النواحي الحضارية فأراد لبلده النهوض لمواجهتها من كل النواحي فطور من التعليم ونشر المدارس بعد أن كان مقتصراً في بلاده على رجال الدين وأنشأ مدرسة بالقصر لأبنائه وابناء الحاشية واستقطب العلماء والمفكرين والأدباء واسس جامعة “اكسفورد ” ,ونشر القوانين واختار الصفوة لمهمة القضاء , واهتم بترجمة الكتب اللاتينية المشهورة مثل “تاريخ العالم , وسلوى الفلسفة ” , وسجل بنفسه تاريخ بلاده في” حولية الأنجلوساكسون “باللغة الانجليزية المحلية , كما دون سيرته الذاتية الراهب “آسر الغالي ” الذي كان مقرباً منه ومعلمه للغة اللاتينية , وايضا بنى الكنائس بغرض التبشير , ورمم كل الكنائس والأديرة التي دمرها الدانيون . ولتلك الاصلاحات لقب بألفريد العظيم , واستمر ابنه من بعده في صد الدانيين وزيادة وحدة انجلترا بالمصاهرة مع مملكة “مرسيا” الانجليزية واسترد بعض الأماكن التي خضعت للدانيين من قبل , وتوالى من بعده الملوك الانجليز الأقوياء الذين هادنوا الدانيين وكانت انجلترا القوية مركزها “وسكس”, ولكن بعد وفاة الملك “ادجار “عام 975م قامت الحروب الأهلية , وزاد الصراع على العرش , واعتلى الحكم ملوك صغار السن ضعفاء , فاستهان النبلاء بهم , وشجع هذا الدانيون للهجوم عام 980م , ووحدوا قوتهم مع النرويجيين بقيادة ملوك حقيقيين بدلا من زعماء القبائل , ففرض الملك الانجليزي “اثلرد ” على شعبه الضرائب وحاول دفعها للشماليين ليثنيهم عن غزوهم , إلا أنهم استمروا في مهاجمة الأراضي الانجليزية ولم يستطع الشعب المنهك من الضرائب على صدهم , وأصبح الملك الداني “سوبين ” ملكاً على انجلترا عام 1013م , ” وخلفه من بعده ابنه في العام التالي “كانوت ” الذي عاد للحرب معه “اثلرد ” الذي قد فر إلى نورمانديا , ولكنه مات عام 1016م و تولى ابنه “ادموند” الذي انتصر على الدانيين , وأخذ الجزء الجنوبي من انجلترا , وبقي الجزء الشمالي في حوزة “كانوت ” حتى توفي “ادموند” وعادت انجلترا لحكم الدانيين , ولقد وعي “كانوت ” الداني الدرس جيداً -إذا ما أراد تثبيت ملكه- فكان مسيحياً يحترم بابا روما , وساوى بين الانجليز والدانيين في الحقوق والواجبات, ونظم الضرائب , واستعان بمستشارين انجليز , وتقرب من مجلس الوفاق الذي كان رافضاً لحكمه من قبل , واستعان بأهل الثقة ليكونوا نوابه في المقاطعات , واطلق عليهم اسم “ايرل ” , وقسم المقاطعات ليديرها النبلاء ويرأس كل نبيل “ايرل “.
وانتعش الاقتصاد وقتها حيث عقدت الاتفاقيات مع التجار الأوروبيين لكون “كانوت “يسيطر على منطقة واسعة تمتد من انجلترا وحتى الدانمرك والسويد والنرويج . ولكن بعد موته عام 1035 م , تفككت الامبراطورية واختارت النرويج الانفصال , واختار مجلس الوفاق “ادوارد بن ادموند” لحكم انجلترا عام 1042م , و حمل ادوارد المعترف – لقب بذلك نظراً لورعه , والذي امضى حياته في نورمانديا الفرنسية- مظاهر الثقافة الفرنسية التي ظهرت في بلاط القصر , واصبح النورمان هم المستشارين والحكام , وعند وفاته في عام 1066م لم يكن له وريث , فعادت الفوضى للبلاد , فدخلها الحكم النورماني منهياً بذلك آخر صفحة في حكم الشماليين على انجلترا . ومما لا شك فيه بعيداً عن سلب ونهب الشماليين والكنوز التي أخذوها لبلادهم , فقد حدثت تأثيرات جسيمة للشماليين لم تجعلهم كما كانوا قبل الخروج للغزو فقد لمسوا من الحضارة في نواحي كثيرة لم يألفوها من قبل لاسيما اعتناقهم المسيحية. أما تأثيرهم على انجلترا فقد محوا عادة كانت معروفة عند الانجليز وأبطلوها في الجزء الشرقي الذي استقروا فيه حيث لم يكن فيه نظام العبيد والذي لم يعرف في بلادهم , وعلموا الانجليز احتراف ركوب البحر فازدهرت الحياة في انجلترا المعزولة وفتحوا لها المجال للخروج للبحر الواسع , وكذلك ظهر أثرهم في ترك الأسماء الدانية التي تنتهي بحروف by, Thorpe , و نقلت كثير من الكلمات الاسكندنافية للانجليزية مثل sky, window take.