اليوم الدولي للتأهب للأوبئة

بقلم المستشار الدكتور خالد السلامي

 

 

مثلت جائحة كورونا مأساة إنسانية حقيقية. ولكنها في الوقت نفسه مأساة استطاعت أن تخلق فرصةً لا تتاح للأجيال إلا في القليل النادر. أتاحت لنا الجائحة فرصة لمعاودة البناء من أجل إيجاد عالم أكثر مساواة واستدامة. استطاعت المجتمعات خلق “عقد اجتماعي جديد” في مساعيها للتصدي للجائحة، والجهود الحثيثة للاستجابة للآثار المجتمعية الكثيرة، أتاحت هذه الجائحة فرصا متساوية قائمة على احترام حقوق الجميع وحرياتهم.

إن تجربتنا مع جائحة كورونا تظهر لنا مدى الآثار المدمرة للأمراض المعدية والأوبئة الرئيسية، على نحو ما تجسده جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) المستمرة، على الأرواح البشرية، حيث تلحق الدمار بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية الطويلة الأجل، ولأن الأزمات الصحية العالمية تهدد بإثقال كاهل النظم الصحية المنهكة بالفعل، وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وإلحاق دمار غير متناسب بسبل عيش الناس، بمن فيهم النساء والأطفال، واقتصادات أشد البلدان فقرا وضعفا.

نحن اليوم بحاجة ملحة إلى تطوير أنظمتنا الصحية لتصبح قادرة على الصمود في مواجهة التحديات والأوبئة وقوية في الظروف الطارئة، المجتمع الدولي بحاجة إلى أنظمة صحية تشمل جميع الفئات خاصة تلك الفئات الضعيفة والفئات التي تعاني من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الهشة، أنظمة قادرة على تنفيذ اللوائح الصحية الدولية بشكل فعال.

 

قد نواجه في المستقبل الأوبئة قادرة على أن تتجاوز، في ظل غياب الاهتمام الدولي، حالات التفشي السابقة من حيث الشدة والخطورة، ولذلك نعتبر التوعية من أهم المتطلبات الحالية للإعداد للمستقبل، وضرورة تبادل أي معلومات أو معارف علمية وخبرات متبادلة.

 

نحن بحاجة إلى تعزيز أنظمة الوقاية من الأوبئة بتطبيق الدروس المستفادة بشأن إدارة الوباء وكيفية منع توقف الخدمات الأساسية، وإلى رفع مستوى التأهب من أجل التصدي في أقرب وقت وعلى النحو الأمثل لأي وباء قد ينشأ، وإذ تسلم أيضا بقيمة اتباع نهج لتوحيد الأداء في مجال الصحة يشجع التآزر بين صحة الإنسان وصحة الحيوان وصحة النبات، إضافة إلى القطاع البيئي وغيره من القطاعات ذات الصلة.

الرؤية المستقبلية التي تتبناها دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومتابعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي ترتكز على الاستعداد المبكر للمستقبل، جعلت الإمارات أكثر استعداداً لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وهذه الرؤية الفذة ستُشكِّل منهج عمل للحكومة، لتكون الأسرع نهوضاً وعودة وتعافياً في العالم، والأذكى في استباق متطلبات مرحلة عالم ما بعد «كوفيد- 19».

تفشي الفيروس، سرّع تحويل العديد من الحلول المستقبلية التي استشرفتها القمة العالمية للحكومات، فحوّل العمل عن بُعد إلى واقع مدعوم بجاهزية حكومة الإمارات التي تعمل بالكامل عن بُعد، كما أن التعليم عن بعد تحوَّل من خطط استشرافية مستقبلية إلى واقع عملي عبر منصات افتراضية أتاحت للطلبة استمرار العملية التعليمية في ظل الإجراءات الاحترازية للوقاية من الوباء، وذلك استناداً إلى تجارب متقدمة مثل برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي، ومنصة «مدرسة،» واتباع نموذج لتوصيل الخدمات الحكومية للمنازل والشركات.

الإمارات بقيادتها الحكيمة التي تتمتع برؤيتها الاستشرافية الثاقبة، قادرة على مواجهة الأزمات وصناعة المستقبل، ومواصلة مسيرة التطوير والتنمية ومواكبة المتغيرات العالمية والاستفادة منها بما يرسخ مكانة الإمارات وريادتها العالمية، بمعايير تعزز المرونة والجاهزية والقدرة على التأقلم وتبني التغيير، وإعادة ترتيب الأولويات وتطوير الخطط والاستراتيجيات للتكيف مع المتغيرات بسرعة أكبر، وترتيب الأولويات الوطنية بما ينسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة، بسواعد أبناء وبنات الإمارات، وتعزيز التعاون الدولي وقيم التسامح والإنسانية.

شاهد أيضاً

“سامي أبو سالم .. صوت غزة الذي لا يخبو تحت الحصار”

  سمير السعد في عالم الصحافة، حيث الكلمات قد تكون أقوى من السلاح، يقف الصحفي …