قراءة في كتاب الخبير الاقتصادي د يوسف البلوشي الإقتصاد العماني ورياح التغيير
يطرح كتاب الاقتصاد العماني العولمة ورياح التغيير للخبير الاقتصادي د يوسف البلوشي العديد من التساؤلات ويقترب من الإجابة على العديد من المحاور الهامة التي سنسلط الضوء عليها و تشمل :
– مفهوم العولمة وهل سلطنة عمان جاهزة لاغتنام الفرص ومواجهة تحدياتها؟
– ماهي الأدوار الجديدة التي يتعين أن تمارسها الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني للتكيف مع المرحلة الجديدة؟
– ما هي محركات النمو في المستقبل ؛ هل هي القطاعات التقليدية ام ادوات الاقتصاد الجديد؟
– كيفية مقاربة الاختلالات الهيكلية في قطاعات الانتاج وسوق العمل والمالية العامة والجهاز الإداري وطريق المستقبل؟
– كيف يمكننا تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية والمالية والبنية الأساسية لبناء مستقبل أفضل؟
– ما هو دور التعليم وكيف تستفيد عمان من الهبة الديمغرافية ؟
– ماهي التحديات والتوازنات الكبرى التي تواجه عمان حالياً وفي المستقبل؟
– ما هي ثقافات المستقبل وكيف للمجتمع العماني ان يجترح الحلول للتكيف معها ؟
2. ماهي قصة خروج الكتاب في ثمانية فصول بدء بالفصل الأول الذي سلط الضوء على فحوى العديد من المفاهيم والمصطلحات الاقتصادية، ووجود مقدمة وماقبل المقدمة وخاتمة ومابعد الخاتمة.
أما الفصل الثاني فيعرض تطور الاقتصاد العماني بمكوناته الرئيسية (القطاع العام والقطاع الخاص) وإفرازات خطط التنمية الخمسية، المكونة لاستراتيجية التنمية طويلة الأجل، وتداعيات ذلك على الاتجاهات الإيجابية التي انعكست على المجتمع مع التركيز على دور مؤسسات أعمال القطاع الخاص والقطاع المالي والحاجة إلى خطط أكثر طموحا. يسعى الكتاب من خلال هذا الفصل إلى التعرف على التغيرات والأحداث الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد العماني خلال العقود الأربعة والنصف المنصرمة، والتي تعكس بوضوح مدى تطور الفكر التنموي العماني، كما تظهر تطور الأداء في المجالات الاقتصادية كافة. وحتى يمكن تحقيق السرد التاريخي لمسيرة الاقتصاد العماني، انقسم هذا الفصل إلى عدة أقسام، حيث ركز القسم الأول على تطور مؤسسات التخطيط في السلطنة، في حين ركز القسم الثاني على مضمون ونتائج الخطط الخمسية المتعاقبة ونموذج التنمية الخاص بإنتاج السلع والخدمات، ثم توزيع عائد هذا الإنتاج، وركز القسم الثالث على تقييم الرؤية المستقبلية 2020، والدور المهيمن للحكومة (القطاع العام)، وركز القسم الرابع على الاختلالات الهيكلية حيث يتناول التحديات والحلول المقترحة.
ولقد تناول هذا الفصل أبرز الاختلالات في الاقتصاد العماني، وعلى رأسها اختلال الهيكل الإنتاجي الناجم عن الاعتماد المفرط على الاستيراد والعمالة الوافدة لتلبية الطلب المحلي على السلع والخدمات، الأمر الذي أسفر عن نزوح قدر كبير من الأموال إلى الخارج وعدم استثمارها محليًّا لدعم دورة الأنشطة التجارية المحلية. ولقد تضافر ذلك مع خلل مالي وصعوبة تحقيق الاستدامة المالية في الأجل الطويل نتيجة ارتفاع المصروفات الجارية والاعتماد الملحوظ على الإيرادات النفطية مع استمرار تدني الإيرادات غير النفطية وتصاعد مستويات الدين العام. وذلك بجانب تركز الاستثمار في القطاع العام وضعف الاستثمار الخاص والأجنبي، وتركز الائتمان المصرفي الممنوح من قِبل البنوك التجارية المحلية في الائتمان للأغراض الاستهلاكية. وبالنسبة للسياسة المالية، فمن الملاحظ أن المنهجية المتبعة في تبويب الموازنة العامة للدولة ما زالت نمطية، وبنودها لها نفس الأوزان، وبالتالي يتعين تغيير فلسفة إعداد الموازنة العامة للدولة من اعتبارها أداة لتوزيع الثروة إلى أداة لتوزيع الدخل. كما ناقش الكتاب قضية كبر حجم الحكومة، وتعدد هياكلها، وضعف درجة التنسيق فيما بينها، الأمر الذي عمق من البيروقراطية وأرهق المالية العامة، وثبط من سرعة التحول إلى حكومة إلكترونية، مما أدى إلى خلل مفصلي في بيئة الأعمال وسرعة اتخاذ القرار، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة الاهتمام بإصلاح القطاع العام والذي يجب أن يأتي على رأس قائمة أولويات الحكومة. ومن بين الاختلالات الهيكلية التي تناولها الكتاب ضعف أداء محركات النمو المتمثلة في الموارد البشرية الوطنية، والشركات الحكومية وشبه الحكومية، والمناطق الصناعية والاقتصادية، والموانئ البحرية والبرية، وغيرها من المحركات التي لا تعمل بكامل طاقتها.
ولا يخفي أن الاقتصاد العماني يمر بمرحلة انتقالية أفرزتها مستجدات العولمة والعديد من المتغيرات الديموغرافية والمالية والاقتصادية المحلية بالإضافة إلى قِصر عمر الموارد النفطية المحلية نسبياً وتقلبات أسعارها، والتي تمثل المصدر الرئيسي لتمويل التنمية، ونموذج التنمية القائم على إدارة الحكومة للقاطرة الاقتصادية، وما نتج عن ذلك من تداعيات على بيئة الأعمال بشكل عام، وقد أسفر ذلك عن محدودية النجاح على صعيد تنويع مصادر الدخل وبناء قطاع إنتاج قوي وتنافسي والاعتماد المفرط على الاستيراد والعمالة الوافدة، وبالتالي هشاشة تركيبة الاقتصاد وتعرضه لضغوط ملحوظة كالتي نشهدها اليوم نتيجة انخفاض أسعار النفط. وبالرغم من الثقة في سلامة السياسات التنموية التي اتبعتها الحكومة في الفترة الماضية، إلا أنه من الضروري إحداث نقلة نوعية في مختلف نظم وآليات إدارة الاقتصاد العماني حتى تتمكن السلطنة من التعامل مع عصر ما بعد النفط بفكر جديد يتناسب مع المعطيات الجديدة.
4. تناول الفصل الثالث واقع القطاع الخاص والقطاع المالي والدور الريادي المطلوب في ظل العولمة. ، هل لك أن تلخص للمستمع الكريم الرسالة التي تحاول ارسالها للقارئ؟
وتضمن الفصل الثالث واقع القطاع الخاص والقطاع المالي والدور الريادي المطلوب في ظل العولمة. حيث استعرض هذا الفصل أهمية وجود قطاع رائد وديناميكي وقادر على الإنتاج والتصدير وأهم السمات المميزة للقطاع الخاص وإسهامه في الاقتصاد الوطني من حيث عملية إيجاد الوظائف، وعملية التكوين الرأسمالي، كما يتناول الاختلالات الرئيسية التي تواجه القطاع.
أما القطاع المالي فقد ظفر بنصيب من التحليل، حيث يؤثر القطاع المذكور المتطور بشكل إيجابي على أداء الاقتصاد الكلي والاستفادة من رياح العولمة من خلال تعزيز كفاءة السوق وخدمات الوساطة المالية الفعالة التي تحسن بدورها معدلات الادخار، ومن ثم معدلات الاستثمار، كما تم القاء الضوء على دور السياسة النقدية في إدارة الاقتصاد الكلي، وذلك إلى جانب الآثار المترتبة على عملية الإقراض في الأجلين القصير والطويل.
ولقد خلص هذا الفصل إلى أن ثمة مشكلة خاصة بضعف أداء القطاع الخاص في سلطنة عمان على صعيد النمو والتنمية، ويعزى ذلك إلى بعض المعوقات الأساسية. ومن ثم، فإن فهم هذه المعوقات والتصدي لها بالسياسات اللازمة يستلزم بالضرورة وجود تنسيق تام بين ثلاث جهات هي : الحكومة ورجال الأعمال (منشآت القطاع الخاص) والمجتمع. وحتى يتحقق ذلك فإنه يتعين إزالة تضارب المصالح بين رجال السياسة ورجال الأعمال. وحتى يمكن إزالة المعوقات التقليدية التي تواجه نمو القطاع الخاص، فإننا نرى ضرورة التصدي لحل المشاكل الرئيسية التي تواجه جميع عوامل الإنتاج، ودعم القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، والاعتراف بأن تنمية القطاع الخاص تتطلب تنمية مؤسسات متعددة ذات صلة بالتمويل والعمل والتنظيم والتجارة، وذلك بالإضافة إلى تراكم المعرفة الفنية الخاصة بعملية الإنتاج والتسويق. ومن المعضلات الاقتصادية، البنوك التجارية في السلطنة التي ما زالت غير راغبة أو غير قادرة على الإسهام في تغطية جزء كبير من الاحتياجات المالية لمشروعات البنية الأساسية والحيوية من خلال توفير التمويل بتكلفة وشروط مناسبة.
وتضمن الفصل الرابع تحليل واقع الاستثمار في الاقتصاد العماني في ظل اتجاهات العولمة، وذلك من حيث البيئة الاستثمارية والتنافسية والاتفاقيات والعلاقات الدولية. لقد أفرزت العولمة وانفتاح دول العالم على بعضها تغيرات ملحوظة في مختلف نواحي الحياة، وتعزى هذه التغيرات إلى ما يسمى بمحركات العولمة: وهي التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات، والحراك الناتج في إطار اقتصاد السوق، وقضية عولمة الإنتاج، وتغير ظروف الجغرفيا السياسية في العالم. ولقد أوضحنا أنه في ظل العولمة تعاظمت أهمية الدور الذي تضطلع به البيئة الاستثمارية وقدرتها التنافسية في مجال نمو وتنمية الدول. وعلى الرغم من تحقيق السلطنة لإنجازات واسعة وملموسة على مختلف الأصعدة، لا تزال استفادة السلطنة من فرص العولمة والاندماج العالمي محدودة للغاية، الأمر الذي يعزى إلى محدودية القدرة التنافسية للسلطنة وبيئتها الاستثمارية غير المحفزة لنهوض القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية بالقدر المأمول. وسلط هذا الفصل الضوء على مفهوم وأبعاد العولمة والتنافسية ومدى اهتمام الدول حول العالم بتحسين وتقوية موقفها التنافسي، ولماذا تعتبر القدرة التنافسية للدول أمرًا أساسيًّا لتحقيق أهدافها في المستقبل؟ كما سيتناول الفصل وضع التنافسية والمكانة الاقتصادية للسلطنة من خلال الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تربط السلطنة بالعديد من دول العالم.
أما الفصل الخامس فقد تضمن عرضا لتطور التجارة الخارجية وميزان المدفوعات كمرآه توضح علاقة الاقتصاد العماني بالاقتصاد العالمي. يتناول هذا الفصل اثنين من أهم مؤشرات مدى النجاح الذي يمكن أن يتحقق من متغيرات العولمة لرفد الاقتصاد الوطني بآليات النجاح وعناصر الإنتاج الضرورية لتعميق دورة الأنشطة التجارية المحلية والمتمثلة في مدخلات الإنتاج من المواد الخام ورؤس الأموال والتكنولوجيا الحديثة وغيرها، حيث أصبح انسياب السلع والخدمات ورأس المال والأيدي العاملة عبر الحدود الوطنية والإقليمية أبرز سمات الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن . وعلى ضوء ما أسفر عنه تحليل احصاءات التجارة الخارجية وميزان المدفوعات، يتضح جليًّا حجم الفرص المتاحة من زيادة الاندماج العالمي الإيجابي، إلا أن ذلك لا يتأتى إلا من خلال ضبط بوصلة الأداء وتحفيز محركات النمو على زيادة الإنتاج وفق مواصفات ومقاييس عالمية.
وفي الفصل السادس القينا الضوء على الاستثمار الأجنبي كرافد ومحرك مهم للاقتصاد العماني. وهنا تجدر الاشارة الى أن تدفق الاستثمارات الأجنبية بين الدول أحـد أهم مظاهر العولمة والانفتـاح الاقتصادي، حيث يعيش العالم مرحلة جديدة من التطور على كافة الأصعدة . وتتجه أغلبية الدول – وخاصة النامية منها – نحو نظام السوق الحرة كآلية تسهم في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية المستدامة. ومن المتفق عليه بين علماء الاقتصاد أن رأس المال – سواء كان محليًّا أم أجنبيًّا – هو أحد عوامل الإنتاج التي لا غنى عنها لعملية التنمية الاقتصادية في جميع دول العالم على اختلاف أنظمتها الاقتصادية. ويحظى رأس المال الأجنبي المباشر بأهمية خاصة في الاقتصادات التي تعاني من محدودية الموارد، وأيضًا تلك التي تعتمد على موارد ناضبة بعد فترة من الزمن، مثل النفط في حالة الاقتصاد العُماني. ويعزى ذلك إلى ما يجلبه الاستثمار المذكور من تكنولوجيا، وحُسن التنظيم والإدارة وفتح الأسواق. هذا، ولقد أوضحنا أن عُمان لا تريد الانفتاح غير المدروس كما أننا لا نريد للسلطنة أن تكون مركزًا لاستقطاب الصناعات الضارة التي تخلصت منها الدول المتقدمة . ولذلك عند اختيار نوعية الاستثمار لابد من مراعاة البُعد الاقتصادي بما يسمح بإيجاد تنمية اقتصادية مستدامة، والبعد الاجتماعي المتمثل في إيجاد فرص العمل وخدمة المجتمع، والبعد البيئي بتجنب أن تكون السلطنة مخزنًا للنفايات والتركيز على الصناعات المفيدة والصديقة للبيئة. ولا يخفي تنافس مختلف دول العالم على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لما يوفره من مزايا ومايصاحبه من فوائد مباشرة وغير مباشرة في النهوض ومعالجة الكثير من الاختلالات في الاقتصادات أيا كانت مرحلة نموها، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب حُسن التنظيم والإدارة من قِبل الدول المضيفة.
ولقد أشرنا إلى أن الاستثمارات الأجنبية في السلطنة تتركز في القطاعات النفطية بدرجة ملحوظة، الأمر الذى من شأنه أن يحد من الاستفادة من هذه الاستثمارات في تنويع ودعم أداء القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن جانب آخر، حدث إخفاق في نقل التكنولوجيا والمعرفة الفنية من شركات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الشركات المحلية.
تعتبر القدرة التنافسية مطلبًا أساسيًّا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر والتي تحتاج إلى تصميم وعمل مؤسسي جاد واستراتيجيات وفرق عمل ومؤشرات أداء ومتابعة مستمرة، والاستفادة من تجارب مختلف الدول وبتفاعل وتعاون القطاع الخاص في بناء شراكات مستدامة. ونجد أن درجة تنافسية السلطنة لا تزال متواضعة على الرغم من أن السلطنة تعمل على ضمان الحصول على مراتب متقدمة من وكالات التصنيف الائتماني العالمية وغيرها من المؤسسات.
الفصل السابع تم تخصيصه لاستشراف وصناعة مستقبل الاقتصاد العماني من خلال ثلاثية صناعة المستقبل (التحديات، التوازنات، وحتمية التحول) ومحركات النمو في المستقبل. حيث قدم هذا الفصل رؤية استشرافية لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد العماني – من وجهة نظرنا- في المستقبل، وذلك في ضوء الفرص والتحديات التي تفرضها رياح العولمة من جانب، وما تتمتع به السلطنة من موارد طبيعية ومالية ومزايا نسبية، من جانب آخر. من هنا، فقد رأينا أن ينقسم هذا الفصل إلى عدد من الأقسام، حيث يعرض القسم الأول منها مفهوم ودلالات وأهمية استشراف المستقبل، ودور الابتكارات المؤثرة والتكنولوجيا المتوقعة في رسم واقع جديد للاقتصاد العماني في المستقبل. ويركز القسم الثاني على أنجع السبل للتعامل مع الاختلالات الهيكلية التي جاءت رد فعل للدور المهيمن للقطاع العام والاعتماد بصفة رئيسية على مصدر وحيد للدخل هو النفط، الأمر الذي يستوجب إحداث تحول ملحوظ ومؤثر في آليات وأدوات عمل الاقتصاد. ويسلط القسم الثالث الضوء على أهمية وجود فريق عمل يمتلك المهارات الضرورية لإدارة عملية التغيير والتحول وامتلاك القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبالآلية المناسبة.
ومن قراءتنا لتقارير استشراف المستقبل يتضح جليا أن المستقبل يتسم بدرجة عالية من عدم اليقين والغموض علي مختلف الأصعدة، وسيكون الهدف في المستقبل هدف متحرك يحتاج الى التعامل معه بديناميكية ومرونة وسرعة في التفاعل مع الأحداث. ولقد تم التطرق الى التغيرات المتسارعة في جوانب الطاقة والتي تحتل أهمية خاصة للسلطنة كونها تعتمد بشكل رئيسي على النفط والغاز كمصدر للدخل القومي (ففي جانب العرض هناك تحول تدريجي لاستخدام مصادر الطاقة البديلة المتجددة وانخفاض تكلفة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتقدم التكنولوجي لإنتاج النفط الصخري، وفي جانب الطلب من خلال زيادة استخدام السيارات الكهربائية والحد من استخدام اللدائن/البلاستيك )، والثورة الصناعية الرابعة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ( إنترنت الأشياء، وسائل التواصل الاجتماعي: الفيس بوك وتويتر ولينكدن وغيرها، وسلسلة الكتل الرقمية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والعملات الافتراضية والبلوك تشين وطابعات ثلاثية الأبعاد)، والنقل ( سيارات آلية القيادة والسيارات الكهربائية والسفن العملاقة)، وكذلك سوق العمل ومستقبل الوظائف وانعكاسات كل ذلك على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. كما تم التطرق الى التغيرات في الجغرافيا السياسية في المنطقة وما تحمله من تداعيات في مستقبل القوى والعلاقات الدولية والتغيرات تحتاج الى الاستعداد واعادة ترتيب الأوراق، أخذا في الاعتبار التبعية الاقتصادية المفرطة لاقتصادنا الوطني للخارج.
وأما الفصل الثامن فقد تناول ثقافات المستقبل والأدوار الجديدة، والتي تعتبر مطلبًا لمواجهة رياح العولمة والتحول السلس إلى اقتصاد منتج قائم على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، ويتسم بالديناميكية والقدرة على مواجهة التغيرات المتسارعة. ولما كان الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض الطيبة هو أهم ركيزة وصانع للمستقبل، فإن إكسابه ثقافات إيجابية ورفع مستوى مهاراته باستمرار سيكون له الأثر الأكبر في زيادة إنتاجيته ثم الإنتاج بصفة عامة، وإحداث التقدم المنشود. ولكي تنجح السلطنة في المستقبل في ظل عالم يتسم بالتغير والديناميكية من حيث طرق إنتاج المعرفة وإدارتها بوتيرة متسارعة، فإنه يتعين العمل على تكييف أنظمتها التعليمية والموارد البشرية وإكساب أفراد المجتمع مهارات جديدة تتفق مع متطلبات المستقبل، بحيث يتم تحديث وتعزيز النظام الحالي وصولًا لنظام جديد أكثر كفاءة يمكنه التعامل مع الموجة الرابعة للتغيرات العالمية أو ما يسمى بمحركات العولمة المبنية على التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات، وديناميكية اقتصاد السوق، وريادة الأعمال والابتكار، وقضية عولمة الإنتاج، وتغير ظروف الجغرافية السياسية في العالم. ويتعين التنويه إلى أن الاستعداد للمستقبل يعتمد على مدى جاهزيتنا وأخذنا بالأسباب والشروط المسبقة لتحقيق التنمية المستدامة. ولذلك فإن أفضل طريقة للاستعداد للمستقبل هي صناعة المستقبل ذاته والتي يتعين أن تكون من خلال غرس وتعزيز العديد من المبادئ لتحقيق التحول المطلوب للوصول إلى المستقبل الذي نصبو إليه.
يستعرض هذا الفصل الثقافات والمبادئ والقيم التي ينبغي على مختلف شركاء التنمية الإلمام بها وتبنيها في المستقبل، وذلك في ضوء السرد السابق لواقع وآفاق الاقتصاد العُماني والمتغيرات العالمية المتسارعة، وذلك بهدف تعزيز الثقافات الحالية وتعميق أثرها وغرس ثقافات جديدة، ومن أمثلة تلك المبادئ والثقافات نذكر على سبيل المثال وليس الحصر: انتشار ثقافة العمل والادخار والاستثمار والإنتاج. ولا نغفل ثقافة القراءة، فأول آية نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام هي “اقرأ”. فالقراءة هي مفتاح العلم والتعلم وترفع درجة الوعي، وتمكن من التعرف على تجارب الآخرين واكتساب مهارات جديدة تساعد على التعامل مع المتغيرات المتسارعة. ومن الثقافات الإيجابية التي تتسم بها المجتمعات الرائدة إعلاء قيم الكفاءة والنزاهة والحديث بشفافية عن مختلف القضايا، وانعدام المحسوبية وتفعيل ثقافة المساءلة وتطبيق معادلة العائد المالي والاجتماعي على الاستثمار على كل ما يتم إنفاقه سواء من قبل الحكومة، أو مؤسسات الأعمال، أو أفراد المجتمع. وفهم العمل الحكومي على أنه خدمة للأمة.
ومن المهم الإشارة إلى أهمية نشر وتشجيع ثقافة العمل الخيري التطوعي، حيث يعد مدى الانخراط في العمل الخيري التطوعي رمزًا من رموز تقدم الأمم وازدهارها. كما أن ثقافة الجودة والإتقان تشمل التخطيط الجيد والتنفيذ الفعَّال، وقياس الأداء والتحسين المستمر لأفعالنا وأعمالنا وسائر شؤون حياتنا.
هذا ويُعدّ العمل الحر أحد الثقافات الشائعة في جميع دول العالم، فمن خلاله يتم تلمس المطلوب من السلع والخدمات والبحث عن أسواق جديدة محلية وخارجية بما يطلق العنان للإنتاج والإبداع. وفي نفس السياق وما يشهَده العالَم بأكمله ثورةً عِلميَّة هائلة، تتَّصف بسرعة التقدُّمِ الحضاري جعلتْ دول العالم بأسْرها تتسابق؛ مِن أجل اللحاق بركب ذلك التقدُّم، بل واقتنعتْ كافة الشعوب بأنَّ التأخُّر في أيِّ مجال من المجالات قد يجعل منها دولةً خارجةً عن مصافِّ الدول المتقدِّمة، الأمر الذي ساعَد على تصنيف العالَم إلى دول متقدِّمة وأخرى متخلفة (نامية)، وفقًا لمعايير التحضُّر والتقدُّم في مجالاتٍ متعدِّدة. كل ذلك حدَا بهذه الدول – من خلال مؤسَّساتها المختلفة – إلى تعزيزِ ثقافة الإنتاجية لدَى أفرادها. ولذا فإنَّ المشكلةَ في الدول النفطية ومن بينها السلطنة تكمُن في زيادة معدَّلات الاستهلاك عن معدَّلات الإنتاج، ممَّا يجعلنا أمامَ ظاهرةٍ سلبيَّة. ولذلك، نجِد أنفسنا في مؤسَّساتنا التربويَّة بحاجةٍ ماسَّة إلى الاهتمام بالمهارات الحياتيَّة المتمثِّلة في تنمية الوعي بالثقافة الإنتاجية والاهتمام بها. هذا، ويعتبر غرس الثقافات الجديدة لدى المواطنين مسؤولية الجميع، ويشمل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، والمنزل والمرأة، ووسائل الإعلام المختلفة، والمدرسة، والمؤسسات المالية وغيرها.
وفي خاتمة الكتاب أشرنا الى أن مستجدات العولمة والمتغيرات المحلية والعالمية، تفرض على السلطنة ضرورة تبني استراتيجية تنموية جديدة، وما تتطلبه من ضرورة التحول من نموذج التنمية الراهن الذي فرضته ظروف الوفرة النفطية، والذي كرس مفاهيم الريعية والاستهلاك المفرط والاتكالية والتجارة المستترة، إلى نموذج يؤمن بالعمل والإنتاج في جميع القطاعات. ولقد أفرز نموذج التنمية الحالي العديد من الاختلالات: ففي الجانب الاقتصادي تتمثل تلك الاختلالات في هشاشة تركيبة الاقتصاد وضيق القاعدة الإنتاجية واعتماده المفرط على الاستيراد لتلبية الطلب المحلي من السلع والخدمات، وفي الجانب المالي تعذر تحقيق الاستدامة المالية في الأجل الطويل في ظل التوسع الكبير في معدلات الإنفاق العام واعتماد الإيرادات بشكل ملحوظ على الإيرادات النفطية والتي تتعرض لضغوط مستمرة بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط ومزاحمة مصادر الطاقة المتجددة والأنواع المختلفة من النفط مثل النفط الصخري / الأحفوري (. وفي الجانب الإداري أدى توسع الحكومة في إيجاد الوظائف إلى فقدها لميزة مهمة تميز الاقتصادات الصغيرة، وهي سرعة اتخاذ القرار والجاذبية للاستثمار، إلا أن البيروقراطية المفرطة تحد من ذلك. ومن ثم فإن الأمر يستوجب إحداث تغيرات جذرية لمفاهيم وأساليب العمل الحالية. ولتحقيق ذلك تطرق الكتاب إلى أهمية تحقيق ثلاثة توازنات على المستوى الكلي: أولًا توازن دورة الأنشطة التجارية المعتمدة بدرجة ملحوظة على الاستيراد، الأمر الذي أسفر عن خلل كبير في هيكل الاقتصاد وضعف القطاع الخاص. وثانيًا توازن العلاقة بين الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص (مؤسسات الأعمال)، وفيما بين أجهزة الحكومة ذاتها، وتحويل العلاقة من التنافس إلى التكامل والعمل. وثالثًا توازن السياسات المتبعة في إدارة الدورة الاقتصادية في سنوات الرواج (الازدهار) وسنوات الانحسار (التباطؤ) في الأداء.
تمر السلطنة بمنعطف يتطلب تحقيق قفزة تنموية نوعية تتيح معالجة أوجه الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العُماني . بيد أن تحقيق ذلك يحتاج إلى بذل جهود مضنية من قِبل الجهات المعنية بتنفيذ استراتيجية التنمية، والتي قد تواجه صعوبة بالغة بسبب سرعة تجدد الأولويات . وتمثل قضية “اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب” حجر الزاوية في نجاح المساعي للوصول إلى تنمية مستدامة في سلطنة عُمان . ولتحقيق التوازنات، والقضاء على هذه الاختلالات آنفة الذكر، تطرق الكتاب إلى أهمية إيجاد بيئة أعمال ملائمة وقادرة على تشغيل محركات النمو في المستقبل، وعلى رأسها الموارد البشرية الوطنية المزودة بالمهارات التي تمكنهم من حسن استغلال البنية الأساسية الجاهزة والاندماج في الاقتصاد العالمي بشكل أفضل. ولا يخفى أن حُسن استخدام القوى البشرية، والارتقاء بمهاراتها باستمرار يكون له الأثر الأكبر في زيادة الإنتاج وإحداث التقدم المنشود. كما تطرق الكتاب إلى العديد من محركات النمو في المستقبل: الشركات الحكومية وشبه الحكومية، والاستثمار الأجنبي المباشر المصحوب بالتقنية الحديثة والمعرفة الفنية والأسواق، والشركات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، والجامعات، والمناطق الصناعية والاقتصادية، والموقع الجغرافي الفريد والموانئ البحرية والجوية والبرية، القطاعات الاستراتيجية، وأهمية تفعيل الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، وغيرها من المحركات.
ومن المأخوذ على التجربة التنموية العمانية أن الغالبية العظمى من محركات النمو – باستثناء قطاع النفط – تعمل بأقل بكثير من إمكانياتها الحقيقية، حيث نجد أن الموارد الطبيعية في السلطنة تنقسم بشكل عام حسب الاستغلال إلى ثلاث مجموعات : “غير مستغلة”، أو “مستغلة بشكل جزئي”، أو “مستغلة بطرق خاطئة”. إلا أن هذه المحركات والمقومات والبدائل، وإن تعددت لا يمكن الاستفادة منها ما لم تتم معالجة الاختلالات الهيكلية الحالية وإعادة ترتيب الأوراق بشكل مناسب، وتمهيد الأرضية المناسبة للاستفادة من هذه المقومات وإطلاق محركات النمو المختلفة.
ولقد خلص الكتاب بعد دراسة مسيرة تطور الاقتصاد العماني خلال العقود الأربعة المنصرمة، إلى عدد من الحقائق أبرزها الحاجة إلى فريق عمل ذي خبرة واسعة مزود بالمهارات المناسبة لعالم أعمال يشهد حراك سياسي واقتصادي ملحوظ، حيث كل شيء مرتبط وتكتسب فيه مسائل النمو أهمية متزايدة، مع عدم توقع حدوث التغيير في خطوة واحدة، بل على عدة خطوات متعددة الأبعاد للتعامل مع التحديات متعددة الأبعاد. وأكد الكتاب كذلك على أن الاقتصاد العماني يمتلك العديد من مقومات التنوع والتكامل بحكم الموارد الطبيعية التي تزخر بها السلطنة، وترافقها مع عناصر العمق الحضاري والأمن والاستقرار والخبرات المتراكمة من خلال خطط التنمية الخمسية عبر أكثر من أربعة عقود، وفوق كل ذلك قيادة ملهمة حكيمة تضع في أولويات مهامها إحداث تحول جذري في سياق تنمية مستدامة للجيل الحالي والأجيال القادمة. وفي الحقيقة إن عمان قادرة على مواجهة تحديات المرحلة المقبلة متى أخذت بمبدأ التخطيط السليم والتنفيذ الأمين. ولا يفوتنا أن نؤكد على أن إدخال بعض التحسينات على أداء بعض القطاعات يُعد أمرًا مهمًّا، ولكنه غير كافٍ، إذ إن ثمة حاجة إلى إجراء عملية تحول جوهري في أسلوب العمل التقليدي الحالي، وذلك لتعظيم الاهتمام والاستفادة من الإنجازات المحققة على مختلف الأصعدة والتي تحتاج إلى الكثير من الابتكار والجسارة في استخدام أدوات وأساليب جديدة كانت غير معهودة أو كانت تستخدم على نطاق ضيق. إن البناء على المنجز الذي تحقق خلال العقود الماضية يتطلب آليات وأدوات جديدة لتحقيق الاستدامة التي ترفع من مستوى معيشة المواطن العماني، ونأمل أن يكون هذا الكتاب خطوة في هذا الاتجاه.
التنمية بمفهومها الواسع عملية في غاية التعقيد والحساسية وتحقيقها يستوجب نظرة شاملة و جهود حثيثة من خلال آليات متعددة. ويأتي هذا الكتاب من أجل تقديم قراءة علمية تساعد صانع القرار والمهتمين الاستفادة من الفرص والموارد المتاحة، كما أنه يهدف إلى دعم السعي للبحث عن حلول ناجعة تؤمن انتقال الاقتصاد العماني الى نموذج متكامل للتنمية المستدامة يتوافق مع المقومات والمزايا النسبية للسلطنة.
ولتحقيق ذلك يستعرض الكتاب بعض الحقائق الاقتصادية بغرض حشد الهمم للانطلاق لتعليق الجرس، أذ أن تحقيق مستقبل أفضل للجميع مرهون بتعاون كافة الفاعلين الاقتصاديين من حكومة وقطاع خاص ومجتمع.
هذه الأسئلة ومحاولة الاجابة عليها هي جهدي المتواضع لرسم خريطة للمستقبل .
وختاماً أقول: انه استشرافًا واستعدادًا للمستقبل يتعين ترتيب وتمهيد الأرضية المناسبة لمواجهة مختلف التحديات الاجتماعية والمالية والاقتصادية. وينطوي ذلك بالضرورة على تحدٍّ مؤداه كيفية تغيير طرق العمل والآليات التقليدية النمطية المتبعة في الأجهزة الحكومية والخاصة. وذلك من خلال تبني أساليب عمل جديدة تتميز بديناميكية تتماشى مع تسارع وتيرة الأحداث. وأيًّا ما كان الأمر، فثمة ضرورة آنية لتعزيز قنوات الاتصال بين الحكومة ومؤسسات الأعمال والمجتمع، وفيما بين أجهزة الحكومة ذاتها، وتحويل العلاقة من التنافس إلى التكامل. مع الإدراك بأن العمل كفريق يُعد أمرًا حتميًّا. فمهما كانت الفرص والبدائل متاحة فإن العمل بروح الفريق والتنسيق المستمر هو مفتاح تحقيق النجاح المنشود. ولا شك أن إدارة التغيير، ونجاح مساعي التكيف مع رياح العولمة يقوم على غرس قيم الإنتاج والثقافات الحميدة، ووجود فريق عمل يدرك حجم المتغيرات ومدى ترابطها على مختلف الأصعدة، ويكون قادرًا على تحقيق التناغم والتنسيق بين مختلف القرارات الاقتصادية والاجتماعية والاستخدام الفعَّال للموارد المتوفرة.
وهذا ما حاول الكتاب توضيحه