كلمة معالي وزير الإعلام السابق
الدكتورعبد المنعم منصور الحسني
من السلطنة إلى المحروسة.. لقاء الحضارات
بعيدا عن شعارات السياسة .. والعبارات الدبلوماسية.. ولغة المصالح الفجة.. دعوني أقول لكم ما يقوله قلبي عندما تطأ قدمي أرض الحضارات مصر المحروسة.. أختصرها في عبارة واحدة
“من البيت الى البيت”
وهذه حقيقة عشتها وعايشتها .. وتشكّلت ذاكرتي عبر سنواتي الماضية.. بل منذ زمن بعيد جدا.. فقد تعرفت على سعيد الكفراوي في “الكرنك” وكمال أحمد عبدالجواد وسلامة موسى في “السكّرية”.. وعبدالجواد في “بين القصرين” بل حتى سعيد مهران الذي عرفني بالإسكندرية ودهاليزها وجدران حاراتها.. وكان أحمد عاكف يقص عليّ بغرور العارف حكايا الأزقة وتفاصيل الجدران الضيقة في “خان الخليلي”.. وتعرفت كثيرا على بورسعيد والمنصورة والفلاحين وعن شباب مصر وجدعنة ولاد البلد.. وغيرها وغيرها عبر كتابات نجيب محفوظ ويوسف ادريس وطه حسين وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وتوفيق الحكيم واحسان عبدالقدوس والعقاد وأنيس منصور وزكي نجيب محمود وغيرهم ممن تشكّلت ذاكرة الانسان العربي من خلالهم علماً وأدباً وثقافةً وحضارة.
وكما هي الأمم الحضارية وكما هو عطاء نيلها.. أفاضت مصر على العالم العربي بعلمائها وأدبائها وصحفييها ومفكريها ومعلميها فساهموا في نهضة العالم العربي من أقصاه الى أقصاه.. ومن ينكر ذلك فهو جاهل بالتاريخ أو ناكر للجميل..
عرفت مصر الانسان قبل أن أزورها.. عرفتها من خيال كتّابها وفي قصص أفلامها وعبر صفحات جرائدها.. فكانت علاقة عمانيتي بمصر المحبة التي تشكلت عبر العلم والاعلام والثقافة والانسان.
عرفت مصر عبر أ. محمود الذي علمني درسا قاسيا وأنا في الصف الأول الابتدائي في أن لا أنسى كتبي المدرسية.. عرفت مصر عبر أ. شعبان في الصف الثالث الابتدائي الذي قدمني للإذاعة المدرسية ولم أكن أتقن الوقوف والحديث أمام الفصل الدراسي.. عرفت مصر عبر أ. طاهر الذي قال لي يوماً “انت بحر يا ابني.. روح وميهمكش حاجة.. حتوقف قدام العالم كله بعلمك”..
عرفت مصر من خلال أ. أحمد رفعت مدرس اللغة العربية الذي علمني أن “الحرف العربي ملاذ هويّة وعنوان حضارة”..
وبعدها عشت طويلا مع “قارئة الفنجان” و”موعود” و”فاتت جنبنا” و”سيرة الحب” و”فكروني” و”كل ده كان ليه”.. “من غير ليه”..
مصر التي في خاطري صادقتها من خلال أساتذتي في جامعة السلطان قابوس معالي أ.د. صابر عرب و أ.د. سعيد توفيق.. وأ.د. أحمد أمين.. وأ.د. محمد سيد وأ.د. أشرف صالح وأ.د. حسن عماد مكاوي.. وأ.د. صفوت العالم وأ.د. سهام نصّار.. والفنان د. محمود عبدالعاطي.. ود. شاكر عبدالحميد.. وأستاذنا د. أحمد درويش.. ود. هاني مطاوع .. وقائمة طويلة من أبناء المحروسة.
أعترف أن زيارتي الأولى لمصر في عام 1999 أثناء رحلتي من لندن وأنا طالب الدكتوراة كانت متأخرة جدا.. لكنها لم تكن غريبة عليّ كل المشاهد التي مررت بها.. جامعة القاهرة.. الشارع المصري في وسط البلد.. السينما.. الأوبرا.. الاهرامات.. مكتبة مدبولي.. صوت العرب وغيرها من الملامح التي ارتسمت في مخيلتي عبر القراءات والأفلام والشخوص التي قابلتها. بعدها صارت الزيارة سنوية لهذا البلد العظيم.
وعندما تشرفت بحمل الحقيبة الوزارية لوزارة الإعلام.. تعرفت بشكل أوسع على عمق العلاقة الأخوية التي تربط الحضارتين وتمتد الى أعماق التاريخ.. من حضارة مجان وتجارة اللبان عبر السفن البحرية العمانية الى الحضارة الفرعونية القديمة.. كان الانسان العماني والمصري يتبادلان التجارة وخبز الحياة والتفاعل الثقافي والحضاري في أبهى صوره.. وكان الايمان عميقا بالإنسان على هذه الأرض.. ومهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال وحتى الأنظمة.. كانت ولا تزال سلطنة عمان وفيّة للشعب المصري انساناً وحضارةً وقيماً أصيلة.. فإذا كانت السياسة متغيرا فإن الثقافة والجذور الحضارية ثابتة لا تتغير.. هذه ببساطة علاقة سلطنة عمان بجمهورية مصر العربية.. وأتذكر هنا مقولة للسلطان قابوس طيب الله ثراه في احدى جلساته أن “علاقتنا بمصر علاقة محورية استراتيجية لأنها مركز الأمة العربية”.. وما الزيارات المتبادلة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي الا تأكيد لهذه العلاقة التاريخية الحضارية.. لذا فقد جئتكم من البيت الى البيت.