بقلم: د شيرين العدوي
العبودية في مفهومها الواسع هي أن تدين بالولاء والطاعة لله عز وجل فتحقق كلمته على الأرض بإفشاء السلام والخير بين الناس. وتتجلى في أعلى صورها عندما تكون نافعا للكون رحيما به عطوفا عليه. أما العبودية في مفهومها البشري فهي: أن يشتري إنسان إنسانا مثله يستعمله في قضاء شؤونه ويكون حر التصرف فيه بموجب صك الشراء سواء بالإحسان إليه أم بالإساءة. وشتان بين العبوديتين. ثم انتقلنا لمفهوم أكبر للعبودية ألا وهو استعباد الدول لدول أخرى عن طريق الحروب للسيطرة على أراضي الدولة المعتدى عليها والاستفادة من مواردها واستغلال ثرواتها البشرية والطبيعية لتحقق على الجانب الآخر الرفاهية لشعوبها.
وفي العصرالتكنولوجي الجديد اختلف مفهوم العبودية فلم تعد الشعوب في حاجة لمعدات الحرب التقليدية لاستلاب ثروات الدول الطبيعية والبشرية؛ إذ كل ما تحتاجه هو ثروة تكنولوجية كبرى وآلة إعلامية تسيطر بها على أفكار الشعوب الآخرى. فتصدّر تلك الدول الرفاهية التي توصلوا إليها للشعوب الأقل حظا لاستغلالهم اقتصاديا والاستحواذ على مقدراتها المادية. وقد نتج عن تلك الهيمنة الاستعباد الاجتماعي الذي أدى إلى الاستعباد الاقتصادي.
والسؤال الآن كيف أصبحنا عبيدا دون أن نشعر؟ أصبحنا عبيدا بحكم استبدال الغرائز وتضخيمها في مقابل الاستهتار بالمعنوي والتقليل من شأنه. فنموذج الغني الذي يصدر للعامة على أنه المثال في كل الأوساط حتى وإن شابت أمواله شائبة يهيمن على عقول العامة دون النظر للقيم. وفي تلك المنظومة الاقتصادية المجنونة فإن الإنسان لا يساوي شيئا. إذ تستطيع المؤسسات الكبرى استبدال أي فرد إن أرادت دون تقديم أي حقوق تجاهه ويتم القفزعلى القانون والتلاعب به لصالح تلك المؤسسات إذ يعد الإنسان منديلا ورقيا يتم التخلص منه في أي وقت. والنماذج الغربية أكثر من النماذج العربية في ذلك لكن لا يتم الإفصاح عنها، من أجل استعباد الناس في العالم بفكرة أن الغرب هوالمثال والنموذج الذي يجب أن يحتذى به في العدالة الاجتماعية والأخلاق؛ فتحتقرالشعوب النامية والبدائية نفسها وتبدأ برفض حضارتها وفكرها وعاداتها وتقاليدها واستيراد الفكر الغربي “النموذج” ومن هنا يتم تفكيك منظومة القيم والدين والإنسان لصالح الاقتصاد الجديد. فنبدأ بالاستعباد الاجتماعي لنصل للاستعباد الاقتصادي إذ لو عدنا لنشأة الإنسان لوجدناه في كل منطقة استقر بها أوجد لها قوانينها وسن عاداتها وتقاليدها بما يتوافق معه والآخر و الطبيعة فلا يغضبها بالجورعليها بل يعيش في سلام معها. ومع انتشار المجتمعات البشرية في كل أرجاء العالم تم إفراز منظومات اجتماعية عديدة تسيِّر بها كل جماعة حياتها. ونشأت الحضارات؛ من ثمَّ بدأت الصراعات من أجل الهيمنة للسيطرة علي اقتصاد الدول بسرقة أموال الطبقة العاملة عن طريق استعبادها فكريا وتغيير منظومة الحياة لديها والتطلع للرفاهية التي تبث عبر الفن والثقافة. ومع ظهور الإعلام الرقمي الجديد كان التفكيك أشد فتكا إذ جعل الجميع عبيدا منعزلين لأجهزة صغيرة تستطيع أن توجههم . وليس أدل على ذلك من كتاب “من العبودية إلى العبودية ” ا/د فالنتين كاتاسونوف أستاذ الاقتصاد السوفيتي الذي يشرح من خلاله كيف تم الاستيلاء على مقدرات الدول النامية، وتغير مفهوم الرأسمالية العالمية و ظهورالرأسمالية الجديدة إنه يقرع أجراس الإنذارربما بعد فوات الآوان. و لم يشر إلى شريحة إيلون ماسك ولكن يستطيع أي قارئ أن يستشف ذلك من خلال القراءة. تلك الشريحة التي قيل إن الغرب يستعد لزرعها في عقل الإنسان لعلاجه والحقيقة هي لتحويل الإنسان إلى آلة والتحكم فيه. إنه مفهوم العبودية الجديد.