مخاطر زواج القاصرات

بقلم الكاتبة السفيرة / ماجي الدسوقي

لم تحدد الديانات السماوية السن الشرعي للزواج ؛ أيّ لم يُذكر رقماً عمرياً محدداً
للفتاة أو الفتى . يقول أحد الحاخامات ” لا يوجد في الديانة اليهودية سن معين للزواج ،
وكما هو معروف فإن الفتاة عادة تبلغ الحلم في سن ١٤ عاماً، وفي الديانة اليهودية يُفضل
الصبر عليها حتى سن ١٨عاماً . ” وتعتبر الديانة المسيحية أن السن المناسب للزواج هو ١٨ عاما فما فوق على الرغم من وجود إختراقات لهذه القاعدة العمرية . اما بالنسبة للإسلام فيمكن للفتاة البكر أن تتزوج بعد الحَيْضَة الاولى ، ولكن هذه الحَيْضَة تختلف من فتاة لأخرى ، فربما تكون الحَيْضَة ما دون ١٤ سنه او أكبر عمرا ولهذا أصبح زواج القاصرات أمرا مختلطا ليس في البلاد الإسلامية فقط بل أغلب دول العالم ؛ ففي ١٤٦بلدا يُسمح للفتيات دون سن ١٨ بالزواج شرط موافقة الوالدين ، وفي ٥٢ بلدا يُسمح للفتيات بالزواج دون سن ١٥ شريطة موافقة الأبوين
كنت أعتقد أن زواج القاصرات أمر شائع جدا في بلادنا ولكن وجدت أن هذه القضية ما زالت تُثير بعض التشريعات الجديدة في كثير من الأقطار . فمثلا في أمريكا يوجد تشريع منذ ديسمبر ٢٠١٧ يسمح لصغار السن بالزواج رسميا في ٢٥ ولاية بموافقة الأبوين أو القاضي إستثناء ، كما توجد تشريعات في أمريكا تنص على أن السن المناسب للزواج هو ٢٥ سنة للفتيات و ٢٧ سنة للشباب بل يعتبره الأمريكيون السن النموذجي ليتحمل كل من الزوج والزوجة أعباء الحياة الزوجية . أما الدول الخمس ذات المعدلات العالية في زيجات الأطفال دون سن ١٨ فهي : النيجر ، تشاد ، مالي ، بنغلاديش وغينيا . وأشارت بعض الإحصائيات أن فتاة من كل ٩ فتيات في البلدان النامية تزوجن قبل سن ١٥ عاما . وقد قُدِّر عدد القاصرات اللواتي تزوجن في المغرب مثلا في عام ٢٠١٦ بنحو ٤٠٠٠٠حالة فيما تم تسجيل ٣٠٠٠٠حالة عام ٢٠١٧ !! أما أعلى نسبة في تزويج القاصرات في البلاد العربية وهي ٣٤٪‏ فهي في موريتانيا . ينص القانون المغربي للزواج على عدم تزويج القاصرات لمن هم اقل من ١٨ عاما ولكن الثغرة القانونية في إحدى مواده كانت ” أن القاضي المغربي أُعطي حق منح الاستثناء لتزويج الفتاة دون ١٨ عاما .” فأصبح هذا الاستثناء قاعدة حصينة أمكن من خلالها إستغلال البشر . وتُظهر دراسة حديثة أن القاصرات المتزوجات هن الأكثر تعرضا للعنف والطلاق .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو : ما هي أسباب ودوافع زواج
القاصرات ؟ كثيرة هي الأسباب ولعل أهمها :
* الفقر المدقع لدى بعض الأُسر
* الإغراءات المادية من قِبَل الزوج
* تفادي العنوسة كما يعتقد بعض الآباء والأمهات
* الجهل المطبق لدى الأبوين
* الخطاب الديني
* التحايل على القانون وإتمام الزواج فقط بالفاتحة
* وسائل التواصل الإجتماعي
* السيطرة على الحياة الجنسية للفتاة وحماية شرف الاسرة لدى البعض
* الإضطرابات الإجتماعية مثل الحروب والهجرات القسرية
* غياب القانون الرادع للمخالفين
* عدم مراقبة سجلات الزواج الرسمية مراقبةً دقيقة
بعد عرض الأسباب السابقة لزواج القاصرات لا بد من تفصيل مخاطره . هل تفهم القاصر ما هي الحياة الزوجية الطبيعية ؟ والإجابة القاطعة ” لا ” . لا تستطيع القاصر أن تتحمل الأعباء الزوجية من حمل مبكّر وولادة مبكرة والإشراف على شئون البيت والزوج والأطفال ولا حتى على الحياة الجنسية الطبيعية !! كيف للقاصر أن تُحيط علما بكل هذه الواجبات وهي لم تُكمل تعليمها أو دراستها ومن وقت ليس ببعيد كانت تلهو بألعابها !!! هذا علاوةً على أن الحمل المبكر والولادة المبكرةً من الأسباب الرئيسة لوفاة القاصرات المراهقات . يُضاف الى هذا كله أنها هي غير مكتملة النمو جسديا وعقليا وبالتالي كيف يكون الجنين مكتمل النمو الطبيعي في رحمها ؟ والأنكى من هذاعندما يكون الزوج من بلد آخر تنتقل اليه القاصرة التي تريد وقتا إضافيا لفهم طلاسم اللغة الجديدة مما يسبب لها الإنعزال الإجتماعي عن البيئة الأصلية التي ترعرعت بها مما يسبب لها مرضا نفسيا . إن أخطر ظاهرة في زواج القاصرات المراهقات فارق السن بينها وبين الزوج وخاصة عندما يكون الفارق كبيرا ففي هذه الحالة يكون مثل هذا الزواج إغتصابا جنسيا وحتى عنفا قهريا !!! عندما تتزوج المراهقة القاصر ويموت الزوج وهي لم تُكمل تعليمها ، أين فرصتها في العمل أو كسب المال للعيش !!
في إعتقادي أن زواج القاصرات المراهقات يدمرهن نفسيا وعاطفيا وجسديا ولو بعد حين . كيف يُفرض على قاصرة مراهقة والتي حُرِّمَت من أن تعيش طفولتها وسنين مراهقتها عيشة طبيعية أن تعرف الواجبات والحقوق في بيئة جديدة لا تدركها ؟ سُحقا للعادات والتقاليد البالية والجهل المطبق الذي يحرم القاصرة من أقل حقوقها في الأختيار !!! وكثيرا ما تنشر وسائل التواصل الاجتماعي مآسي وكوارث زواج القاصرات قصصا يشيب لهولها الولدان ! فمن المسئول ؟ هل القاصرة المراهقة سلعة تباع وتُشترى مقابل المال ؟
أما الحل الوحيد لهذه المشكلة فهو تشريع القوانين الرادعة لكل الأطراف والعابثين والمتحايلين
على القانون . على الدولة أن تراقب سجلات الزواج وتتأكد من دقة وصحة المعلومات ومعاقبة
الخارجين عن القانون عقاباً صارماً يكون فيه العبرة للآخرين ولمن تسول له نفسه بالعبث
وإختراق القوانين . يمكن أن تتم هذه المراقبة عبر لجان مختصة وذات خبرة في كشف
التزوير والتحايل .
أتمنى أن تضع الدولة على العابثين في هذا الموضوع غرامة مالية كبيرة أو سجناً لا يقل عن ٣ سنوات حتى يكونوا عبرة لغيرهم .
” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ”
صدق الله العظيم

شاهد أيضاً

“مذكرتا اعتقال بحق نتنياهو وغالانت .. بين الرمزية والاختبار الجاد للإرادة الدولية”

  سمير السعد في خطوة تعد سابقة في سياق الصراع الفلسطيني العربي الإسلامي _ الصهيوني …