مدرسة الفن (التخريبي) في الدراما المصرية

بقلم – ريم أبو عيد

 

في الوقت الذي تسخر فيه الدولة المصرية جل إمكاناتها للاحتفاء بحضارتنا المصرية القديمة العظيمة وتبذل قصارى جهدها للحفاظ على هويتنا المصرية وتاريخ بلدنا العريق وتراثه الأصيل، كما شهدنا جميعا الموكب المهيب لنقل مومياوات أجدادنا المصريين القدماء من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط الذي تم افتتاحه في الثالث من الشهر الحالي، في احتفالية عظيمة ابهرت العالم أجمع.

وإيمانا من قيادات دولتنا الحديثة وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي بدور الثقافة والفنون في بناء مجتمع حضاري، يعي أفراده قيمة تاريخه وعراقة أصله، يسعي بعض صناع الدراما المصرية الرمضانية لتشويه هذه الحضارة المصرية العظيمة، وتزييفها، وتضليل الوعي ألجمعي لأجيال باكملها، بتقديم صور مشوهة للمصريين القدماء والاستخفاف بعقول المشاهدين من خلال المسلسل الرمضاني الملك أحمس. او مسلسل الملك كما تم تعديل اسمه على اعتبار أنه عمل فني ابداعي وليس تاريخي كما يزعم صانعوه والمشاركون به من فنانين وعاملين، وذلك بعد الانتقادات التي تعرضوا لها من عدد كبير ممن شاهدوا (البرومو) للمسلسل.

فأي إبداع يتحدث عنه صانعو العمل الذين أمعنوا في تشويه التاريخ وتقديم صورة مزيفة عنه، دون أدني اهتمام حتى بالمعاييرالفنية السليمة من اختيار الملابس والاكسسورات وملامح المصريين القدماء في ذلك العصر الذي من المفترض أن أحداث المسلسل تدور في زمانه. فأصحاب اللحي هم من يتصدرون جميع المشاهد في العمل، فبدلا من أن يقوم بطل العمل بحلق لحيته التي أطلقها مؤخرا والذي كان أمرا ضروريا حيث أنه يؤدي دور ملكا مصريا قديما، أطلق جميع أبطال العمل لحاهم وزيفوا الملامح المصرية الأصيلة لأجدادنا المصريين القدماء كما نراهم على جدران معابدهم الشاهدة على ملامحهم، وكأن مؤلف العمل الإخواني يتعمد طمس هويتنا المصرية الحقيقة في أعين الكثير من المشاهدين غير الواعيين الذين يعتبرون الأعمال الدرامية التاريخية مصدرا من مصادر تلقي المعلومات الموثقة.

ولا أتعجب الحقيقة من هذه العقلية الإخوانية الكارهة لكل ما هو مصري أصيل، فهم لم يعترفوا قط بمصر وطنا ولم يجلوا يوما الهوية المصرية الأصيلة، ولا أنسى كمواطنة مصرية ضلوعهم واشتراكهم في حرق المجمع العملي في العام 2011 لنفس ذات الغرض، وهو محو كل ما يمت بصلة للتاريخ المصري الحقيقي. ولكني أتعجب كل العجب من الجهات الثقافية المعنية التي سمحت بتمرير هذا المسلسل بكل ما يحمله من مغالطات وأخطاء تاريخية وفنية وإخراجية، لا تتمثل فقط في أبطال العمل الملتحين، ولكن تعدتها إلى الإكسسوارات والحلي الذي تم استخدامه على اعتبار أنه من عصر الملك أحمس وهو لا يمت بصلة إلى ذلك العصر.

بالإضافة إلى التيجان الملكية التي تخص ملوكا آخرين من القدماء المصريين، الأمر الذي يعد غريبا وغير مفهوم. فكيف لمسلسل به هذا الكم من المعارك الحربية والمجاميع المشاركة بها، بمعنى أن تكلفة انتاجه ليست بالقليلة أن يغفل مثل هذه التفاصيل المهمة جدا لإنجاح العمل كدراما تاريخية تقدم حقبة زمنية معينة من التاريخ المصري القديم.

أم أنه الجهل مقترنا بالغفلة، ومغلفا بتعمد التزييف والتشويه، وتضليل الوعي الجمعي للمشاهدين؟! إن هذا المسلسل بالتأكيد ليس تاريخيا، كما أنه ليس إبداعيا أيضا بأي شكل من الأشكال، ولكنه مسخا درامي، وجريمة مكتملة الأركان في حق تاريخنا المصري القديم، وفي حق ثقافتنا وهويتنا المصرية الأصيلة، واستخفافا بعقول المشاهدين، وتزييفا وتضليلا.

باختصار إنه تبجح إخواني جديد على التاريخ المصري، ولكن هذه المرة ترتدي ثوب الفن (التخريبي)، وهي مدرسة أسسها مؤخرا بعض صناع الدراما المصرية ليمعنوا في هدم كل القيم الثقافية والحضارية في مصر. وهذا النوع من الفن التخريبي بوابة خلفية للمؤامرة على مصر التاريخ والحاضر والمسنقبل يجب أن يحاسب عليه صانعوه، فما يقدمونه من تزييف وتشويه لا يندرج بأي شكل من الأشكال تحت مسمى حرية الإبداع كما يدعي البعض، فلا حرية لأحد في الاعتداء على الحضارة ولا حق لأحد في تزييف التاريخ وتشويهه.

شاهد أيضاً

“سامي أبو سالم .. صوت غزة الذي لا يخبو تحت الحصار”

  سمير السعد في عالم الصحافة، حيث الكلمات قد تكون أقوى من السلاح، يقف الصحفي …