بقلم محمد الكعبي
المقاومة مصطلح اممي شاع في فترات من تأريخ الشعوب, ولا يكاد يختلف اثنان على انبثاقها من رحم معاناة الأمم؛ وقد كفلتها السماء وجميع الانظمة والاديان، واقرها القانون الدولي والانساني، وباتت المقاومة مرتبطة بظرف الاحتلال المتعدد الاهداف والانواع والمستويات, فكما أن هناك مقاومة عسكرية فهناك ثقافية واقتصادية واخلاقية وسياسية ودينية ..
للمقاومة مفهوم واسع وله مسارات واتجاهات متعددة، ويرتبط هذا المفهوم بضرورة السعي لنيل الحرية وتحقيق العدالة وتأسيس دولة العدل, فكان لزاماً أن تستند المقاومة إلى قاعدة أخلاقية متينة وثقافة تعكس وعي المقاوم وحجم تعاطيه مع المتغيرات ولا ينجر مع العقل الجمعي والمغريات والمكاسب الزائفة لكي لا يتحول إلى قاطع طريق، وهذا يتطلب الايمان بالمقاومة كمشروع رسالي أنبثق من ابجديات العمل النبوي من خلال محاربة الفساد، وقد قُدمت لاجله الكثير من الارواح الزواكي كالانبياء والرسل فمنهم من هجر وقتل وقطع بالمناشير واحرق بالنار من أجل إرساء القيم السماوية وتحرير الانسان من العبودية لغير الله تعالى.
الأمة المقاومة التي لا تلتزم بالقيم السماوية هي اقرب إلى الارتداد والتسافل, فالمجاهد قد يكون قادرا على تكبيد عدوه خسائر مادية كبيرة, الا انه لن يكون لعمله أي اهمية لفقدانه عنصر الثبات بمختلف المراحل والمستويات والاتجاهات نتيجة اختلال تلك القيم، أو فقدانه بوصلة المعرفة التي تحدد مساراته وتوجهاته, فالايمان والمعرفة هي التي توفر للأمة اجواء الممارسة الرسالية السليمة مما يحقق التطور الحضاري ويحفظ خط المقاومة من الانحراف، وينبغي العمل على انتاج مقاوم يعمل وفق مسارات مستقيمة منضبطة تنسجم مع بناء دولة القانون، وهذا يتطلب تأسيس فريق عمل منسجم ومؤمن بما يحمل من متبنيات فكرية ومعتقد بها ويعمل على مراحل ومستويات متعددة ويعمل على عدة مسارات من حيث البدأ والانتهاء والكيف والمتى والأين والمن، وتحقيق الاهداف، وليس بالضرورة ان يكون المعيار القوة، بل قد يكون اعلامي، ثقافي، اقتصادي، اجتماعي، ديني وسياسي.
يقع المقاوم بعض الاحيان بفخ التداخل فيفسد أكثر مما يصلح، من قبيل ممارسة القوة في ظرف يحتاج إلى عمل سياسي، أو يقوم بوسائل الضغط من قبيل المظاهرات والاعتصامات في موقف يحتاج إلى بعد سياسي أو ثقافي أو ديني أو مالي وغيرها من الطرق والاساليب، مما يجعل المقاومة في دور محوري ومصيري تحتاج فيه إلى ضبط عملها ومواجهة الخصم بما ينسجم مع الظروف الموضوعية لخلق حالة من التوازن على جميع المسارات والاتجاهات، وقد يسبب فقدان الوظيفة المناسبة في بعض الاحيان إلى انتكاسة تبقى تبعاتها إلى اجيال متعاقبة، إنها مسؤولية كبيرة تتحملها المقاومة بنخبها وقواها الوطنية لتتمكن من تحقيق ألاهداف المرجوة.
لذا كان لزاما على المقاوم الواعي والحريص على تحقيق النصر ان يكون مدركاً لخطر مهمته وعظم مسؤوليته وهذا يتطلب ان يتكىء على ركن وثيق.