في أعقاب نكسة يونيو 1967، وجدت إسرائيل نفسها مسيطرة على شبه جزيرة سيناء، وسرعان ما بدأت في تنفيذ مخططاتها لضمان بقائها هناك إلى الأبد. ومن بين هذه المخططات، قررت تل أبيب عقد مؤتمر عالمي يُعقد في منطقة الحسنة بسيناء عام 1968، حيث يتم الإعلان فيه عن قيام دولة مستقلة لأهالي سيناء، في خطوة تُمهِّد لانضمامها إلى إسرائيل تحت غطاء الشرعية الدولية.
بدأت إسرائيل جهودها لإقناع مشايخ سيناء بالفكرة، حيث التقى موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بعدد من زعماء القبائل وأغدق عليهم بالأموال والهدايا الثمينة، ظنًا منه أن الولاء يُشترى بالمال. وافق المشايخ في العلن، لكنهم في السر تواصلوا مع ضابط المخابرات المصري الموجود في سيناء حينها، محمد اليماني، الذي طلب منهم مجاراة الإسرائيليين حتى يحين الوقت المناسب.
وجاء يوم 31 أكتوبر 1968، حيث اجتمع كبار مشايخ سيناء في مؤتمر الحسنة، بحضور قادة إسرائيل ومئات الصحفيين والمراسلين من جميع أنحاء العالم. كانت الأعين كلها مُسلَّطة على الشيخ سالم الهرش، الذي فوّضه مشايخ سيناء للحديث نيابة عنهم.
وقف الشيخ سالم الهرش أمام الجميع، وكان المتوقع أن يُعلن عن انضمام سيناء إلى إسرائيل، لكنه بدلاً من ذلك قال بصوت قوي ثابت: “إن سيناء مصرية وقطعة من مصر، ولا نرضى بديلاً عن مصر، وما أنتم إلا احتلال، ونرفض التدويل، وأمر سيناء في يد مصر، سيناء مصرية مائة في المائة ولا نملك فيها شبراً واحداً يمكننا التفريط فيه.”
كانت كلماته كالصاعقة التي ضربت القاعة، صمتٌ قاتل خيّم على المكان، تلاه غضب إسرائيلي عارم. اعتقل الإسرائيليون أكثر من 120 شيخًا من كبار المشايخ، وأخضعوهم للتعذيب الوحشي في محاولات يائسة لكسر إرادتهم، لكنهم ظلوا صامدين.
أما الشيخ سالم الهرش، فكان يعلم أن حياته أصبحت في خطر. وبفضل عملية استخباراتية مصرية عبقرية، قادها الضابط المصري سعيد لطفي، تمكن الشيخ من الفرار إلى الأردن، ومنها إلى مصر، حيث استقبله الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه ومنحه “نوط الامتياز من الطبقة الأولى” تقديرًا لشجاعته.
ومع مرور السنوات، وعندما تحررت سيناء عام 1982، عاد الشيخ سالم الهرش إلى أرضه الطاهرة، يداً بيد مع يوسف صبري أبو طالب، أول محافظ لشمال سيناء بعد التحرير، في مشهدٍ يُجسد انتصار الإرادة المصرية على المحتل.
ظل موقف الشيخ سالم الهرش وأبناء سيناء الأحرار رمزًا خالدًا للوطنية، وسطروا بدمائهم وتضحياتهم أروع صفحات النضال، ليؤكدوا للعالم أن أرض سيناء لا تُباع ولا تُشترى، وأنها ستظل مصرية أبد الدهر