ناصر عبدالحفيظ يكتب عمران : طفل من تحت ركام غزه
في ليلة حالكة السواد، كان الصغير عمران جالسًا بين أنقاض منزله، يحدّق في الظلام بعينين لم يعد فيهما خوف، بل نارٌ تشتعل انتقامًا. قبل ساعات، كان هنا بيتهم، تملؤه ضحكات أمه وأخته، وكان أبوه يطمئنه بأن القصف لن يصل إليهم. لكن القصف جاء، ولم يُبقِ لهم شيئًا.
لم يكن الموت خفيًّا هذه المرة، بل شاهده العالم كله على الشاشات. رأى عمران صورته وهو يُنتشل من تحت الركام، والغبار يغطي وجهه، لكنه لم يكن يبكي. كانوا يتوقعون أن يرى العالم ما حدث فيغضب، أن يتحرك أحد لإنقاذهم، لكن بدلاً من ذلك، رأى بايدن يبتسم وهو يوقع ورقة ترسل المزيد من القنابل. رأى ترامب يتفاخر بأنه منح القتلة سلاحًا، ورأى نتنياهو يرفع علامة النصر وهو يعد بمزيد من الدماء.
في تلك اللحظة، أقسم عمران أن يكون الناجي الذي لا يركع.
حمل حجراً ووضعه في جيبه، لم يكن مجرد حجر، بل كان كل ما تبقى من بيته، من حياته السابقة. سار في الشوارع المدمرة، بين الجثث، بين الأنقاض، حتى وصل إلى ملجأ يختبئ فيه آخر الناجين. هناك، وجد أطفالًا مثله، لم يعد لديهم آباء ليحموهم، ولا بيوت تؤويهم. جلس بينهم، وضع يده على قلبه وقال:
“سأنتقم.”
كبر عمران، ولم ينسَ. لم يعد طفلاً خائفًا، بل صار شبحًا يطارد القتلة. في كل مرة سقطت قذيفة، خرج هو وأصدقاؤه من تحت الأنقاض أقوى. لم يكن يحمل سوى الحجر، لكن الحجر كان سلاحًا أقوى من صواريخهم، لأنه كان يحمل الحقيقة، ويحمل صوت الذين رحلوا.
وفي يومٍ من الأيام، بعد سنواتٍ من المقاومة، رأى العالم مشهدًا مختلفًا على الشاشات: كان الطغاة يختبئون، كانوا مذعورين. نتنياهو يُحاكم بتهمة الإبادة، بايدن يُسأل عن دعمه للمجازر، وترامب يهرب من الملاحقات الدولية. لم يعودوا هم الأقوياء، بل أصبحوا هم المطاردين.
وقف عمران في ساحات المدينة المحررة، رفع حجَره عاليًا، وقال بصوتٍ ملأه النصر:
“هذه الأرض لنا… وستبقى لنا.”