مع استمرار العدوان على غزة ومحاولات فرض واقع جديد عبر التهجير القسري، برزت مصر وروسيا كطرفين مؤثرين، لكن بمواقف تختلف في طبيعتها وأهدافها. فبينما ترفض مصر أي تهجير للفلسطينيين من القطاع حفاظًا على استقرار المنطقة وأمنها القومي، تعاملت روسيا مع القضية بطريقة مختلفة عبر استقبال بعض اللاجئين، ما يطرح تساؤلات حول الدوافع والمصالح وراء هذه السياسات.
مصر: رفض قاطع للتهجير
منذ بداية الحرب، أعلنت مصر رفضها القاطع لتهجير الفلسطينيين من غزة، مؤكدة أن ذلك يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري والقضية الفلسطينية. وقد اتخذت القاهرة خطوات ملموسة لمنع أي تحركات تهدف إلى إخراج الفلسطينيين من أرضهم، أبرزها:
1. موقف سياسي حاسم: شددت مصر في المحافل الدولية على أن الحل لا يكون بتهجير الفلسطينيين، بل بوقف الحرب وإعادة إعمار غزة.
2. فتح معبر رفح للمساعدات فقط: رغم الضغوط الدولية، أبقت مصر معبر رفح مفتوحًا لإدخال المساعدات وإجلاء الجرحى، لكنها رفضت أن يكون ممرًا للتهجير الجماعي.
3. تعزيز الأمن على الحدود: عززت مصر قواتها على الحدود لمنع أي محاولات تهجير قسري، في رسالة واضحة بأن سيناء ليست بديلاً عن فلسطين.
4. مبادرات إعادة الإعمار: أطلقت مصر مشاريع لإعادة إعمار غزة كوسيلة لتمكين الفلسطينيين من البقاء في أرضهم، في خطوة تتناقض مع محاولات تهجيرهم.
روسيا: استقبال اللاجئين بحسابات استراتيجية
على الجانب الآخر، تعاملت روسيا مع قضية اللاجئين الفلسطينيين من منظور مختلف، حيث استقبلت بعض العائلات من غزة في جمهورياتها المسلمة مثل الشيشان وإنغوشيا وداغستان، مقدمةً لهم السكن والخدمات الأساسية. ورغم أن هذه الخطوة تبدو إنسانية، إلا أنها تحمل دلالات استراتيجية تتماشى مع السياسة الروسية تجاه القضايا الديموغرافية والجيوسياسية:
1. ملء الفجوة السكانية: تعاني روسيا من أزمة ديموغرافية حادة، وتسعى لزيادة عدد سكانها عبر استقبال لاجئين من خلفيات معينة تتماشى مع تركيبتها السكانية.
2. تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط: عبر دعم الفلسطينيين واستقبال بعضهم، تحاول موسكو تعزيز صورتها كقوة داعمة للقضية الفلسطينية، مما يعزز نفوذها في المنطقة.
3. موازنة علاقاتها مع إسرائيل: رغم دعمها لحماس واستقبالها قادة الحركة، فإن روسيا تحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، مما يجعل سياستها متوازنة بين الطرفين.
4. الظهور كبديل للغرب: في ظل التوتر بين روسيا والغرب، تحاول موسكو استغلال الأزمات لتعزيز دورها كلاعب رئيسي في القضايا الدولية.
تشابه واختلاف بين الموقفين المصري والروسي
بينما تقف مصر بحزم ضد تهجير الفلسطينيين، تعمل روسيا بحسابات أكثر مرونة، مستفيدة من الأزمة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. ورغم اختلاف الدوافع، فإن كلا البلدين يظهران دورًا فاعلًا في القضية الفلسطينية، كلٌ من موقعه الخاص. لكن يبقى التحدي الأكبر هو منع أي محاولات لفرض تهجير قسري، وهو الأمر الذي يتطلب تنسيقًا دوليًا أقوى ومواقف أكثر صلابة لحماية حقوق الفلسطينيين في أرضهم