اخبار عاجلة

ناصر عبد الحفيظ يكتب

طفل وجدران جوع

 

في زاوية الفصل الباردة، حيث لا نوافذ تكسر وحشة الجدران الرمادية، كان الطفل يرقد. جسده النحيل مستلقٍ على الأرض العارية، متكور كجنين قذفت به رحم أمه

يبدوا وكأن النوم قد غلبه فجأة، لكن النعاس الذي أخذه لم يكن عادياً، ولا اعتقد أن هناك صباح جديد ينتظره.

 

حين دخلوا، كانت الرائحة خانقة، والهواء ساكنًا كقبر

 

كأن المكان قد توقف عن التنفس. لم يكن في الفصل سوى بقايا طباشير متآكلة وسبورة مغبرة، لكنه، قبل أن يستسلم للجوع، ترك أثراً لن يختفي.

 

على الجدران، امتدت رسوماته. لم تكن رسومات عادية، لم تكن وجوهًا أو أشجارًا أو بيوتًا كما يفعل الأطفال عادة. كانت ثمار فواكه وخضروات كانت أطباقًا من الطعام. طيور وحيوانات مطهيه أرغفة خبز دائرية، أطباق أرز مفروشة كالحقول، أكواب حليب ممتلئة زجاجات مياه فاضت حتى أغرقت الحافة. بعض الرسومات كانت مهتزة كأن يده فقدت قوتها وهو يرسمها، وبعضها كان أكثر وضوحًا، كأنها صور من ذاكرة لم يشأ أن ينساها.

 

وقف الرجل الذي وجد الصغير هناك، وهو يحاول أن يبلع غصة علقت في حلقه جحظت عيناه وكادت تفاحة آدم أن تخرج من رقبته أدار وجهه بعيدًا، لكن الجدران كانت تحيط به من كل اتجاه، تحاصره، تخبره بشيء لم يعد بالإمكان تغييره.

 

في الركن، بين خطين متداخلين لقطعة خبز كان يحاول رسمها، كان هناك اسم صغير مكتوب بطرف أصابعه المرتعشة.

 

اسمه. كأنه أراد أن يقول للعالم: أنا كنت هنا

 

أراد أن تذكروه لتدركوا حجم القبح الذي يدير عالم فقد بوصلته الروحية واستسلم للحروب

 

من مجموعتي القصصية وجوه العاصمة

 

ناصر عبدالحفيظ

القاهرة

١٧ مارس

شاهد أيضاً

العربي للتنمية الاجتماعية ينظم مائدتين لإفطار الصائمين بالقاهرة والجيزة ويوزع 2200 وجبة غذائية يوميا بالمحافظات

  كتب: وليد سلام   أطلق الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية المستدامة برئاسة الدكتورة ريهام العاصي, …