كتبت _ مروة حسن
” ذلك الوطن.. فهؤلاء مواطنيه” لا يمكن إنكار تلك المقولة الفرنسية، ولا يمكن إنكار ما فعله الفلسطينيون كفلاحيين فقط للحفاظ على أرضه، إلا أن قياداته والحركات التي تنشأ من أجل الدفاع عنه ما تزال تمارس سلطتها لتحقيق أهدافها لا أهداف ذلك الشعب، فماذا سيحدث مثلاً في قطاع غزة لو أن حماس تابعت هروبها كقاتل متسلسل لأهالي القطاع؟، ومن سيحل مكانها؟ هل سيمسك الشعب زمام أموره ليتحولوا إلى قيادين وهلّم جرّ أم إن مصر في المرصاد؟
قياديون خارج غزة
تسريبات ومصادر شتى، تناقلت خبر هجرة ثمانية من قيادات بارزة وذات شهرة إعلامية من حماس والجهاد الإسلامي من غزة إلى الخارج، ولم يعودوا أدراجهم للقطاع حتى الآن، وذلك في أواخر العام الماضي وبعد حدث الانفجار الذي هز مخيم البرج الشمالي في صور بلبنان، ويقيمون في أماكن آمنة، وذات ثراء كبير، منهم كان قائد حماس إسماعيل هنية، والذي مارس ضغوطاً على مصر من أجل إخراج عائلته عبر معبر رفح لينتقلوا ويعيشوا معه في الدوحة، ومنهم أيضاً خليل الحية مسؤول العلاقات مع الدول العربية والإسلامية ونائب يحي السنوار، والذي اهتم هو الآخر بإخراج عائلته من غزة، وتشمل القائمة أيضا القيادي صلاح الردويل والمتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري، وطاهر النونو مستشار إسماعيل هنية، بالإضافة إلى قياديين آخرين ذهبوا ليستقروا في تريا بدلاً من القطاع أمثال فتحي حماد، ونافذ عزام ومحمد الهندي التابعان لحركة الجهاد الإسلامي، ودون أي خبر عن خالد مشعل، أو معرفة من بقي من حماس في القطاع ليدافع عنه حسبما يزعمون، فهل كان دور حماس هو الدفاع عن القطاع بعيداً عن أنهم مواطنون في هذا القطاع، واذا بدأ القياديين بالسفر والهروب من يبقى مع المليوني غزاوي الذين آمنوا بالحركة وبأهدافها في المنطقة، ودافعوا عن وجودها، أم أن هروب حماس بشكل متسلسل هو هدف مصر في المنطقة، فالأخيرة لعبت دور المتفرج فقط منذ الانفجار حتى اليوم.
انقسامات وانشقاقات
عطل كهربائي، أم انفجار مستودع الأسلحة، أم عملية إسرائيلية استهدفت الدعم الإيراني لحماس؟، وبين هذا وذاك لم يكن سبب الانفجار الذي حدث في 22 كانون الأول/ ديسمبر وهز مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين بمدينة صور جنوب لبنان، جانباً مهماً، بل ما أحدثه الانفجار من انقسامات وانشقاقات داخل صفوف حركة حماس، نظراً لأن ما حدث معها جعلها على مقربة من الإفلاس والانهيار، وأظهر ما لدى قادتها من خلاف واختلاف لم يظهر في حدث سبق وتعرضت له حماس من قبل، والذي يتمثل بين جناحين الأول يتبع لقائد الحركة إسماعيل هنية الذي ينادي بالتحول إلى وكيل عسكري شيعي إيراني، والثاني إلى رئيس الحركة خالد مشعل الذي يسعى لاستعادة رعاية الأنظمة العربية السنية مثل مصر والسعودية، ولكن ما حدث في الـ 15 من كانون الثاني، خلال زيارة وفد حماس للجزائر، وذلك بعد إرسال دعوة من الأخير لقائد مكتب الحركة إسماعيل هنية، ليبحثوا سبل الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، من أجل تدارك وإخفاء ما حدث إثر الانفجار في لبنان، وليعكس هنية غاياته، ورؤيته المستقبلية للتنظيم، وإن وافقت حماس على المصالحة مع حماس ف، ماذا سيكون موقف إسرائيل من هذه المصالحة، فلا يمكن نسيان تهديداتها للرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2008 توقيع أي مصالحة مع حماس آنذاك عندما دعتهم اليمن لعقد تلك المصالحة، وأن إسرائيل ستلغي سلامها معه إذا وقف أي اتفاقية حماس طرف فيها
هل هي دراما الوداع؟
في السادس من الشهر الجاري نشرت العديد من وسائل الإعلام مشهد تصوير لمسلسل “قبضة الأحرار” الذي تنتجه حركة حماس رداً على مسلسل فوضى الذي أنتجته إسرائيل وتم بثه على “نتفليكس” وتابعه الملايين، تركز فيه على قوة المقاومة والعملية التي نفذتها الاستخبارات الإسرائيلية في خان يونس جنوب القطاع عام 2018، فبين هروب أو انتقال عدد من قيادي حماس، وتعاونها أيضاً مع الجزائر، ربما كان عليها اللجوء للدراما بدلاً من مواجهة الواقع، في ظل الظروف التي تعيشها الحركة، بعضها ظهر للعلن، وما خُفي أعظم، أم أن المسلسل الدرامي هو عبارة عن يد تلوح بالوداع وختاماً لبطولاتها في غزة
لم تعد المشكلة في قطاع غزة هو الاختلاف في الرأي بين قيادي حماس، فهو أمر واجهته مراراً وتكراراً معظم الفصائل والحركات في فلسطين، مثل “فتح”، و”الجبهة الشعبية”، لكن المشكلة تكمن الآن في جانبين الأول يطرح تساؤل فيما لو سمحت حماس لجهات خارجية بالتدخل بين قياديها، لأن غياب حماس عن المنطقة لا يمكن أن يحدث ولا بأي شكل من الإشكال، لكن ربما سعيها للمصالحة مع فتح في الجزائر هو سبب لضعفها وإفلاسها وحاجتها لحليف، أما الجانب الآخر يتمثل في شكل ثقة شعب القطاع بحماس وما ستؤول إليه بعد انتشار أخبار نقل كل قيادي لعائلته خارج القطاع فذلك الوطن وهؤلاء مواطنيه.